أيتها الكواكب المنيرة للقطب العقلي،
أضيئوا منيرين بشعاعاتكم فكري.
استيخنات على آريوس
إنّ آريوس قال، إنّ الابن غريبٌ من جوهر الآب،
فليكن هو غريباً ومنفياً من مجد الله الآب.
إننّا نعيّد هذا العيد الحاضر لهذه العلّة. وذلك لمّا أنّ ربّنا يسوع المسيح لبس جسدنا، وفعل كلّ التدبير بحالٍ يُحتجز نعته، وعاد إلى العرش الأبويّ، فأراد الآباء القدّيسون أن يوضحوا أنّ ابن الله صار إنساناً بالحقيقة، وأنّه صعد وهو إنسانٌ تامٌ وإلهٌ تامٌ، وجلس عن يمين العظمة في الأعالي. وإنّ مجمع الآباء القديسين هذا، كرز به هكذا، واعترف جهاراً، أنّه مساوٍ للآب في الجوهر والكرامة. فلهذا السبب، رتّبوا بإلهامٍ إلهيّ، هذا العيد الحاضر بعد الصعود المجيد، كأنّهم تقدّموا فرفعوا شأن مجمع آباء، هذا مقدارهم، الذين كرزوا به أعني، أنّ هذا الصاعد بالجسد إلهٌ حقيقيٌ، وهو إنسانٌ تامٌّ بحسب الجسد.
أمّا هذا المجمع، فصار على عهد قسطنطين الملك الكبير، في السنة العشرين من ملكه. لأنّ هذا تملّك أولاً في رومية لما كفّ الاضطهاد، وبعد ذلك بنى المدينة الكليّة السعادة المسمّاة باسمه. وكانت قد نشأت هرطقة آريوس، الذي كان منشؤه من ليبيا وصار إلى الأسكندرية، وتشرطن شمّاساً من القدّيس بطرس الشهيد بطريرك الإسكندرية. فلكونه ابتدأ ان يجدّف على ابن الله كارزاً جهاراً أنّه مخلوق، و أنّه صار من العدم، و أنّه بعيد من الرتبة الإلهيّة، و أنّه يقال له حكمة الله وقوّته مجازاً، خلافاً لزعم صاباليوس الملحد القائل أنّ اللاهوت وجهٌ واحدٌ وأقنومٌ واحدٌ، فوقتاً ما يصير آباً، وتارةً ابناً، ووقتاً روحاً قدساً. وفيما آريوس مجدّف هكذا، عزله عن الكهنوت بطرس العظيم، لمّا أبصر المسيح مثل طفلٍ على المذبح المقدّس لابساً ثوباً مشقوقاً وقائلاً: إنّ آريوس قد شقّه.
ولكن أشيلاس، الذي كان رئيس كهنة بعد بطرس على الإسكندرية، حلَّ آريوس أيضاً، على شرط أنّه يرتجع عمّا كان يقوله، ورسمه أيضاً قسيساً، وجعله قيّماً على المدرسة. فلمّا توفي اشيلاس صار ألكسندروس، الذي، لمّا وجد آريوس مجدّفاً أشرّ من الأوّل، أقصاه من البيعة، وحطّه بواسطة مجمعٍ، وأنّه، كما قال ثاودورويطوس، إنّه اعتقد أنّ طبيعة المسيح متغيّرة، وأنّ الرب اتّخذ جسداً خالياً من العقل والنفس، هذا قذف أوّلاً. وأمّا آريوس، فإنّه اقتاد إلى الحاده كثيرين، وكتب، فاختص لذاته افسافيوس أسقف نيقوميدية وبفلينوس أسقف صور وافسافيوس أسقف قيسارية وغيرهم، وتطاول على ألكسندروس. أمّا ألكسندروس، فأنقذ إلى أصقاع الدنيا بأسرها، مخبراً عن تجاديف آريوس، وعن قطعه، فأنهض كثيرين إلى الانتقام منه.
فلمّا كانت الكنيسة منزعجة، وغير ظاهر شفاءٌ لهذه المجادلة الصائرة عن هذا الاعتقاد، أرسل قسطنطين المعظّم، إلى جميع الدنيا، مركبات ملوكيّة، وجمع الآباء الموجودين في نيقية، وحضر هو بنفسه هناك. وحينئذٍ، لمّا جلس كلّ الآباء، وجلس هو، لمّا طلب منه ذلك، لكن ليس على كرسي ملوكي، بل في مجلس وضيع الرتبة. ولمّا تخاطبوا عن جميع ما ينتسب إلى آريوس، أوجبوا اللعنة عليه، وعلى جميع المعتقدين باعتقاده. وكرز هولاء الآباء القديسون، بأنّ كلمة الله هو مساوٍ للآب في الجوهر والكرامة، وأنّه أزلي مع الآب، ووضعوا دستور الإيمان المقدّس، وانتهوا به إلى عند و "بالروح القدس". وأمّا الباقي، فتمّمه المجمع الثاني. وثبّت أيضاً، هذا المجمع الأوّل، عيد الفصح، أعني، متى يكون، وكيف يجب أن نعيّده، وأنّه لا يجب أنّ نعيّد مع اليهود، كما كانت عادةٌ سالفة، ووضعوا عشرين قانوناً من أجمل التراتيب الكنائسيّة. وأمّا دستور الإيمان المقدّس، فأثبته الملك قسطنطين الكبير المعادل الرسل آخر الكلّ، وختمه بكتابة حمراء.
وكان في هولاء الآباء القدّيسين، رؤساء كهنة مئتان واثنان وثلاثون، وكهنة وشمامسة ورهبان ستة وثمانون، فجملة الحاضرين كانوا ثلاثمائة وثمانية عشر. وأمّا مشاهيرهم، فكانوا هولاء: سلبسترس رئيس كهنة رومية، وميطروفانيس القسطنطيني وكان مريضاً، فحضر هذان، بوساطة نوّابهما، وألكسندروس الإسكندري مع أثناسيوس الكبير لأنّه كان في ذاك الوقت رئيس الشمامسة، وافسطاثيوس الأنطاكي، ومكاريوس الأورشليمي، والبار كوذروفيس الأسقف، وبفنوتيوس المعترف، ونقولاوس النابع الحيل، وسبيريدونس تريميثوندس، الذي هناك طرح الفيلسوف وعمّده لمّا أوضح له النور المثلّث الشموس. وفي أواسط صيرورة هذا المجمع، انتقل إلى الله اثنان رؤساء كهنة، فوضع قسطنطين المعظم، حدّ المجمع المقدس في تابوتيهما وختمهما باستيثاقٍ، فوجد ذلك الحدّ مختوماً وممضى منهما بكلام الله الذي لا يلفظ به.
فلمّا انقضى المجمع، وكانت المدينة التي بناها قد كملت، استدعى قسطنطين الكبير جميع أولئك الرجال القدّيسين، فذهبوا معه بأجمعهم، ولمّا صلّوا، ختموا وثبّتوا، أنّ هذه المدينة كفءٌٌ لأن تصير ملكة المدن، وأوقفوها لأمّ الإله بأمر الملك، وهكذا توجّه القدّيسون كلٌّ منهم ألى مكانه.
لكن قبل أن ينتقل قسطنطين الكبير إلى الله، لمّا كان يدبّر الملك مع ابنه قسطنديوس، تقدّم آريوس إلى الملك قائلاً: إنّه سيترك الجميع ويريد أن يتّحد مع كنيسة الله. فكتب إذاً تجاديفه في قرطاس، وعلّقها في عنقه على صدره، وكأنّه خاضع للمجمع، كان يضرب بيده على تلك الكلمات المكتوبة في القرطاس ويقول، إنّي أذعن لهولاء. فاقتنع الملك، وأمر بطريرك القسطنطينية أن يقبل آريوس في الشركة الإلهيّة، وكان في ذلك الوقت بعد مطروفانيس البطريرك الكسندروس، الذي كان عارفاً برداءة مذهب الرجل، فكان مشكّكاً به ومرتاباًً، ومتضرّعاً إلى الله أن يكشف له إن كان حسب إرادته يؤثر أن يشترك مع آريوس. فلمّا حضر الوقت الذي فيه وجب أن يقدّس معه، صار مستحرّاً في الصلاة. فأمّا آريوس، كان آتياً إلى الكنيسة وهو عند عامود السوق، مغصه جوفه، فدخل إلى كنيفٍ مشاع، وهناك انفزر منبعجاً، وقذف كلّ ما في باطنه، وطرحه على أسفل، وتكبّد رمي ما في جوفه مثل يوداس، لأنّه ساواه في تسليم الكلمة، وشقَّ كلمة الله من الجوهر الأبويّ، فانشقّ وصودف مائتاً. وعلى هذه الحال، كنيسة الله انعتقت من أذيّته.