madona مشرفة
عدد المساهمات : 910 تاريخ التسجيل : 04/03/2011 العمر : 49 العمل/الترفيه : مدرّسة
| موضوع: القدّيس يوسف البار، الصّامت البهيّ 4/1/2015, 12:42 pm | |
| من يتقن الصّمت يتقن الإصغاء إلى صوت الله، ويسمح له باجتياح كيانه كلّه. فلا تعود الأصوات الخارجيّة تشوّش على روحه لأنّه منجذب كلّيّاً إلى الصّوت الإلهيّ.والقدّيس يوسف، الّذي لا نسمع له ولا كلمة واحدة في الكتاب المقدّس، يثري حياتنا الرّوحيّة بفعل صمته وبانسحاقه التّام للمشيئة الإلهيّة. وفي نفس الوقت يعلّمنا دروساً في الطّاعة والاحتمال بمحبّة والثّقة بكلمة الرّبّ. ففي كلّ مرّة كان يطلب الرّبّ أمراً ما من يوسف البار، كان يلبيه بصمت ورضى دونما الدّخول في تفاصيل وأسئلة وتأفّف. إنّ شخصيّة يوسف الصّامتة مبهرة وتدعو للتّأمّل الطّويل في ردّات فعلنا على ما يطلبه الله منّا. كما تدعو لإعادة النّظر باستعدادنا الدّائم في طاعة الرّب والانسحاق أمام كلمته وبالتّالي مشاركتنا الفاعلة في مشروعه الخلاصيّ. - " ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور، إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً: « يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأنّ الّذي حبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع. لأنه يخلص شعبه من خطاياهم» ... فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب، وأخذ امرأته. ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر. ودعا اسمه يسوع." ( متّى 25،20:1). عند قراءتنا لهذا المقطع الإنجيلي، نفهم مدى ثقة القدّيس يوسف بالله ومدى بساطته الرّوحيّة. بمعنى أنّ الشّكّ لم يدخل قلبه ولم يتوانَ عن فعل ما طلبه منه الرّبّ. فوهوَ المحتار بواقعه الجديد كان يكفيه كلمة من الرّب حتّى يطمئنّ وتتبدّد مخاوفه. مع العلم أنّ ما قاله الملاك ليوسف في الحلم ليس بالأمر اليسير للفهم! بل إنّه يتطلّب علاقة متينة مع الله وثقة مطلقة به، وسموّاً فكريّاً وروحيّاً يجعلان يوسف قادراً على قبول الكلمة الإلهيّة دون أن يدرك مقاصدها تماماً. يوسف البار تصرّف ببساطة الأطفال، فوحدهم الأطفال يصدّقون ببساطة ما يقول لهم آباؤهم ومن ثمّ ينفّذون ببساطة لأنّهم يعلمون أنّه لا يمكن لآبائهم أن يسببون لهم الأذى. " إن لم تعودوا كالأطفال، لن تدخلوا ملكوت السّماوات". ( متى 3:18). - " وبعدما انصرفوا، إذا ملاك الربّ قد ظهر ليوسف في حلم قائلاً: « قم وخذ الصبيّ وأمّه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتّى أقول لك. لأنّ هيرودس مزمع أن يطلب الصبيّ ليهلكه». فقام وأخذ الصبي وأمّه ليلاً وانصرف إلى مصر." ( متى 14،13:2). لعلّ أصعب فعل يقوم به الإنسان في حياته هو فعل التّربية ورعاية العائلة. ولقد أوكل الله إلى يوسف هذه المهمّة الّتي تطلّب الكثير من الحبّ والصّبر والاحتمال. ولا بدّ أن يوسف تبنّى هذه المهمّة وأنجزها بحبّ واهتمام كبيرين، مستعدّاً دائماً لتنفيذ ما يطلبه الرّبّ. " قم وخذ الصّبيّ وأمّه إلى مصر ، فقام وأخذ الصّبيّ وأمّه ليلاً وانصرف إلى مصر". في هاتين الآيتين البسيطتين يكمن فعل طاعة مبهر، وفعل حبّ شديد يدفع يوسف لتلبية الطّلب دون أيّ تردّد. ويتكرّر المشهد في ( متى 21،20،19:2): " لما مات هيرودس، إذا ملاك الرب قد ظهر في حلم ليوسف في مصر قائلا: « قم وخذ الصبي وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل، لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي». فقام وأخذ الصبي وأمه وجاء إلى أرض إسرائيل." وفي ( لوقا 50،41:2)، وبعد أن أضاع يوسف ومريم يسوع ثمّ وجداه بعد ثلاثة أيّام في الهيكل، نرى مريم تسأل يسوع: " يا بني، لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين!" ولا نسمع ليوسف أيّة كلمة أو اعتراض أو حتى سؤال بسيط. الصّمت الفاعل، هذا ما تتّسم به شخصيّة يوسف البار. الصّمت الّذي يشكّل رادعاً لأيّة ردّة فعل منافية للسّلوك المتّزن والرّصين، والّذي يعزّز في داخل الإنسان القدرة الهائلة على سماع صوت الرّب الّذي يتكلّم فينا بأناة لا توصف. والصّمت هو غير السّكوت، فالسّكوت حالة من البلادة أو اللّامبلاة. وأمّا الصّمت فهو لغة أخرى يستخدمها الإنسان، تنبعث من روحه النّقيّة وفكره النّقيّ. يتكلّم بهذه اللّغة ويفهمها ويتفاعل معها فيقوى على السّلوك بمشيئة الرّبّ بمحبّة وسلام. إنّها حالة الصّلاة والتأمّل الدّائمين. صمت يوسف يعلّمنا أنّ مشيئة الرّبّ نعمة كبيرة في حياتنا. نستسلم له ببساطة ومحبّة وثقة، ونستعدّ دائماً للسّير معه متيقّنين أنّنا سنصل إليه لا محالة." يا يوسفُ بَشِّرْ داودَ جدَّ الإله بالعجائب. فقد رأيتَ العذراء حامِلاً، ومجَّدتَ مع الرعاة، وسجدتَ مع المجوس، وبالملاك أُوحيَ إليك. فابتهلْ إلى المسيح الإله أن يخلّص نفوسنا". | |
|