لا يكُنْ علَيكُم لأحدٍ دَيْنٌ إلاَّ مَحبَّةُ بَعضِكُم لِبَعضٍ، فمَنْ أحبَّ غَيرَهُ أتمَّ العمَلَ بالشَّريعةِ.
فالوصايا الّتي تَقولُ: ((لا تَزْنِ، لا تَقتُلْ، لا تَسرِقْ، لا تَشتَهِ)) وسِواها مِنَ الوَصايا، تَتلَخَّصُ في هذِهِ الوَصيَّةِ: ((أحِبَّ قَريبَكَ مِثلَما تُحِبُّ نَفسَكَ)).
فمَنْ أحبَّ قريبَهُ لا يُسيءُ إلى أحدٍ، فالمَحبَّةُ تَمامُ العمَلِ بالشَّريعةِ.
وأنتُم تَعرِفونَ في أيِّ وَقْتٍ نَحنُ: حانَتْ ساعَتُكُم لتُفيقوا مِنْ نَومِكُم، فالخلاصُ الآنَ أقرَبُ إلَينا مِمَّا كانَ يومَ آمَنَّا.
(رومة11/8.13)
شريعة المحبّة هي الشّريعة الوحيدة الواجب علينا أن نخضع لها . فالمحبّة تحرّر عقولنا من كلّ جهلٍ وتنيرها بالحكمة ، كما تحرّر قلوبنا وتمسح منها كلّ بغضٍ وحقدٍ فننفتح على أخينا ونسعى إليه بكلّ مسؤوليّة . والمحبّة الأخويّة لا تشمل إخوتنا بالإيمان ، ولكنّها تشمل أي إنسانٍ في العائلة البشريّة ، فالمسيح مات وقام من أجلنا جميعاً ، ولم يكن الفداء حصريّاً لجماعة معيّنة ، والبشريّة كلّها اتّحدت به .
أن نحبّ بعضنا ، فهذا يعني أن نعيش شركة الأخوّة ، فيكون لأخي حقّ عليّ بأن أسعى دوماً إلى أن أهتمّ به ، وأحسن إليه . فكلّ شخص منّا يخصّ الله - أبونا - وبالتّالي حبّي لأخي يثبت محبّتي لله .
ألمحبّة ليست نظريّة فلسفيّة أو عاطفة رومانسيّة نعيشها بحسب مزاجنا النّفسيّ والعاطفيّ ، وإنّما هي فعل حرّ مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالله وبالإنسان .
أدرك بولس العظيم أهمّيّة المحبّة ، الّتي هي كمال الشّريعة . فوصيّة المحبّة تلخّص الوصايا ، إذ يصبح تطبيق الوصايا فعل محبّة حرّ وليس تطبيقاً لحرف جامد . فإن أحببت أخي حبّي لنفسي ، لن أسرقه ولن أقتله ولن أشتهي امرأته ... " أحبب وافعل ما تشاء " يقول القدّيس أغسطينس . ألمحبّة هي الرّادع الأقوى من أيّ قانون تشريعيّ ، لأنّها تتغلغل في عقولنا ونفوسنا ، فتجتاحنا وبالتّالي نفيضها على الآخر . لا بأس بالقوانين البشريّة ، وهي إن شرّعت فلخدمة الإنسان ، ولكنّها تبقى ناقصة وقد يكون قانون معيّن في مكانٍ ما مناسب وفي آخر غير مناسب . أمّا المحبّة فهي شاملة ، وكاملة .
ومحبّتنا للآخر يجب أن تنبع من قلب الله ، إذ نحن لا نعلم كيف نحبّ ، فقد تكون محبّتنا آنيّة ، مؤقّتة ، أو مرتبطة بشعور عاطفيّ معيّن . يجب علينا ان نحبّ بقلب الله ، فتاتي محبّتنا مجرّدة من أي مصلحة أو أيّ محاباة أو تمييز . (أحبّوا بعضكم كما أنا أحببتكم ) ، أي التّمثّل بمن أحبّنا بشكل مطلق ، وقبلنا كما نحن ، ومات لأجلنا ونحن بعد خطأة .
لو تاملنا الوصايا :
-أنا هو الرّبّ إلهك ، لا يكن لك إله غيري .
-لا تحلف باسم الرّبّ إلهك باطلاً .
-إحفظ يوم الرّبّ
-لا تقتل
-لا تزنِ
-لا تسرق
-لا تشهد على قريبك شهادة زور
-لا تشتهِ امرأة قريبك
-لا تشتهِ مقتنى قريبك .
نرى أنّ هذه الوصايا مرتبطة بالله اوّلاً ثمّ بالإنسان . فنقيم علاقة حبّ واحترام مع الله ، من حيث تكريس الفكر والقلب له وحده ، وبالتّالي علاقة مع القريب . فهذه الوصايا مرتبطة بالوصيّة الأولى ، فعلاقتي مع الله تحدّد علاقتي مع القريب ، ولا علاقة مع الله خارجاً عن القريب . ( كيف يمكنك أن تحبّ الله الّذي لا تراه ولا تحبّ أخاك الّذي تراه ؟ ) . فالله موجود في أخيك ، وبالتّالي حبّك لأخيك يبرهن عن حبّك لله .
هذه العلاقة العاموديّة مع الله ، الأفقيّة مع الإنسان ، ترسم صليب الحبّ ، صليب الخلاص . لا خلاص إلّا بالمحبّة ، اي لا حرّيّة إلّا بالمحبّة . فهي سلاح القويّ ، به يسحق كلّ عبوديّة وكلّ ظلم وقهر . يسوع غلب العالم بالحبّ ، وانتصر على الموت بالحبّ ، فاستحققنا ان نكون أبناء الله ، أبناء المحبّة المطلقة والغير مشروطة . وإن كنّا نؤمن أنّ الله ، هو ابونا ، فبالتّالي كلّنا إخوة لأب واحد ، إخوة بالدّمّ ، دم يسوع المسيح .