ألله ، ألقدير ، ألعليّ ، ألّذي لا مثيل له والّذي كان يخشى الشّعب القديم ذكر اسمه ، هو أبانا الّذي في السّماوات .
لنقرأ حنوّ أبينا في هوشع 11 / 1-4
"يوم كان إسرائيل فتىً أحببته ، ومن مصر دعوت ابني . كلّما دعوته هرب من وجهي. ذبح بنو أفرايم للبعل وبخّروا للأصنام ، وأنا الّذي علّمهم المشي وحملهم على ذراعه... ، لكنّهم لم يعترفوا أنّي أنا أصلحت حالهم . جذبتهم إليّ بحبال الرّحمة وروابط المحبّة وكنت لهم كأب يرفع طفلاً على ذراعيه ويطعمهم ."
في خفايا هذه الكلمات الرّقيقة الّتي تعبّر عن عظمة محبّة الله لشعبه ، تفيض عواطف الأبوّة ، وتنسكب علينا . ويظهر لنا جليّاً كيف أنّ الله المتسامي يسير معنا خطوةً خطوة منذ نعومة أظفارنا ، يرعانا،يحملنا بين ذراعيه ، يعطف علينا عطف الأب على أطفاله الصّغار . يعطينا الطّعام في حينه ، يراقب كل عثرة في حياتنا ، يسير أمامنا ليرشد خطانا ويحتمل جحودنا ، ويصبر على تمرّدنا ...
يرانا نذبح للبعل ونحرق البخور لأصنام نبتدعهم ، فيحبّنا أكثر ، ويسكب فيض محبّته بغزارة ، ليقوّم خطانا . يجذبنا إليه بحبال الرّحمة وروابط المحبّة ونحن ما زلنا نتمرّد على أبينا ، ونبحث عن حرّيتنا بعيداً عنه .
ألله ، يعشق الإنسان ، خلقه من فيض محبّته ، خلقه على صورته كمثاله ، نفخ فيه من روحه . ألله ، مبدع الكون ، صنع الإنسان ، ولم يقل : ليكن الإنسان ، فكان . أراده شريكاً في ملكه ، إبناً له ، لا عبداً في مملكته . سلّطه على كلّ شيء ، وثق فيه وائتمنه على كلّ شيء . ويوم اختار الإنسان حرّيّته بعيداً عن أبيه وخجل من عريه ، خاط له ثياباً من جلد وستره ، لم يقوَ الأب على رؤية ابنه ، صنعة يديه ضعيفاً مذلولاً .
نقرأ بين هذه الكلمات لوم أبينا وعتبه علينا ، ولعلّنا نستطيع القول ، أنّ قلبه ينفطر علينا ، لرؤيتنا نبتعد ، وكانّ أحشاءه تتمزّق من شدّة قساوة قلوبنا ، وجرأتنا على الإساءة أمامه ، والتّمسّك بآلهة تخترعها رغباتنا ، وأنانيّتنا وكبرياؤنا .
أحبّنا فتياناً ، علّمنا المشي ، حملنا بين ذراعيه ، أطعمنا ، ويوم كبرنا ، أعمت أبصارنا ثمار شجرة معرفة الخير والشّر البرّاقة ، المغرية للعين ، والباعثة للفهم . أردنا حرّيّتنا بعيداً عنه ، دفعنا غرورنا وكبرياؤنا للسّيطرة على عطاياه ، رافضين حكمته ، ناكرين العاطي.
شوّهنا صورة الله فينا ، حقّرنا جمال إنسانيّتنا وبهاءها ، فأتى بنفسه ، دخل تاريخنا البشريّ ليرمّم صورته فينا ، ويرفع إنسانيّتنا .
إنحنى علينا انحناء أبٍ ،على فتاه الطائشِ المغرور ، لينتشله من بؤسه وشقائه ، ويقوّم سبله كي لا يعثر مجدّداً . حمل آلامه ، ضمّد جراحه ، وقرّب ذاته ليمحو إثمه . حطّم أسوار الموت وشقّ له طريق الحياة الّتي لا تنتهي ، وأفاض عليه أنهار حبّه ، وحرّره من كلّ عبوديّة .
أبانا الّذي في السّماوات ، ومن شدّة حبّه وعشقه تنازل عن عرشه السّماويّ واتّخذ قلوبنا مسكناً . لا يستطيع الأب أن يفارق ابنه ، فملاذه أن يخترق أعماقه. ..
عظيم هو ربّنا وعظيمة محبّته ... من مثلك يا ألله ، وأيّ إله عظيم مثل إلهنا . وأيّ أبٍ يحبّ مثل أبينا !!
عظيم أنت يا ألله ، يا أبانا ، في عشقك لنا ، وانحنائك علينا ...
نتجاسر فنقول ... أبانا الّذي في السّماوات ، نتجرّأ فنرفع أيدينا طالبين مراحمك ، وننحني لجلال محبّتك ، ونسجد أمام عظمة حنوّك ، لأنّ لك وحدك يليق كلّ المجد والعزّ والإكرام ، من الآن وإلى دهر الدّاهرين . أمين.