خرج أحد الحكماء ذات يوم الى الخلاء ومعه أحد أولاده، فسارا حتى وصلا الى غيضة ناضرة الأشجار، زاهية الأزهار، يانعة الأثمار، وبجانبها شجرة صغيرة قريبة من الطريق قد أمالتها الريح، وكاد رأسها يمس الأرض.
فقال الحكيم لولده: انظر الى تلك الشجرة المائلة، فاذهب فأرجعها الى شكلها الأول. فذهب الولد وأخذ يعالجها الى أن عدّلها،ثم انطلقا حتى إذا قربا من جميز (شجرة كبيرة كثيرة العقد والاعوجاج).
قال الحكيم لابنه: انظر يا بني الى هذه الشجرة، ما أحوجها الى من يصنع معروفاً فيعدلها، ويزيل عنها عيوبها التي شانتها، وحطت من قيمتها في أعين الناظرين، فانح نحوها، وافعل بها كما فعلت بالتي قبلها.
فتبسم الولد عجباً وقال: إني لا أكره صنع المعروف، إلا أن تلك الشجرة غير قابلة للتعديل لكبرها، نعم كان يمكن ذلك في زمن صغرها، وأما الآن فمن المحال، ولو اجتمع عليها عصبة من الأبطال.
فأعجب الحكيم بابنه، وفرح به لما آنس من شدة ذكائه، ورق جوابه، وقال: صدقت يا بني، فإن من شبّ على شيء شاب عليه، فالزم الأدب في صغرك، يلزمك في كبرك.
ثم رجعا من حيث أتيا، والأب يردد في نفسه هذا الكلام: ما أسهل تهذيب النفس في الصغر، وما أصعبه في الكبر، وأنشد يقول:

قد ينفع الأدب الأطفال في صغر وليس ينفع عند الشيبة الأدب
إن الغصون إذا قوّمتها اعتدلت ولن تلين إذا قوّمتها الخُشُبُ