لمن تحيا حياتك؟
الشماس ثيوذوروس الغندور
سألت هذا السؤال لنفسي اولا، فيما كنت افكر ليلا قبل ان اغمض جفنيّ وأخلد للنوم بعد يوم طويل وشاق. وتأملت في هذه الفكرة وفي حياتنا نحن البشر، ووجدت طرقاً مختلفة للعيش بحسب الشيء او الشخص الذي نعيش من اجله.
فمن الناس مثلا من يحيا لنفسه غير آبه بالآخرين، مصغياً لفقط لصوت رغباته، وباحثاً عن راحته، حتى ولو اتت على حساب راحة الآخرين. لا يهم هذا النوع من البشر ما يقال عنه او ما يشاع حوله كونه مرتاحا ويتبع المثل الشعبي "انا وبعدي الطوفان". كما انك تراه يحب من الناس من يخدمون مآربه، ومحبته لهم تكون على مقدار الغايات التي يحققونها له وتنتفي بانتفاء هذه الغايات والمآرب. وامثال هؤلاء تجاهلوا قول الرب يسوع في انجيله: "ان احببتم الذين يحبونكم فأي فضل لكم. فان الخطأة ايضا يحبون الذين يحبونهم"(لو 6/32). كما اشار الى ما هو اهم من ذلك ان: "ليس لأحد حب اعظم من ان يضع احد نفسه لأجل احبائه" (يو 15 :13). ولم يقل ان نجعل الناس يضعون انفسهم في سبيلنا.
من الناس من يحيا للمال الذي جمعه، سوءا بطرق مشروعة او غير مشروعة. ويبدأ هؤلاء بالتفكير ليلا نهارا بكيفية صرف المال والطرق الفضلى للتمتع به، او حتى منهم من يبحث عن كيفية تكديسه وتخزينه كا فعل الغني في القصة الانجيلية، الذي فكر بتوسيع اهرائه وجمع كل ماله فيها والبدء بالتنعم بهذه الاموال، غير مهتم بالآخرين من حوله الذين لأجلهم اعطاه الله فائض المال، لينظر حاجاتهم ويلبيها. حتى ان الرب قال له بقسوة: "يا غبي هذه الليلة تُطلب نفسك منك فهذه التي اعددتها لمن تكون" (لو 12: 20). "لأنه ماذا ينفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه" (لو 9/ 25). هذا كله ليس لأن الرب يكره المال، بل لأن الله لا يريدنا ان نتمسك بالمال وننسى من وهبنا اياه، فنتجاهل اخوتنا الذين هم في الشدائد والامراض والضيقات، فيما نحن نتنعم بفائض من الخيرات. كما انه "لا يقدر خادم ان يخدم سيدين. لأنه اما ان يبغض الواحد ويحب الآخر، او يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون ان تخدموا الله والمال" (لو 16: 13).
ومن الناس ايضاً من يحيون للسلطة. فتراهم يزحفون خلفها رازحين تحت اقدامها ومتمسكين بذيلها، حتى ولو تمرمغوا بالطين وبزفت الطريق، جراء زحفهم المتواصل والمضني في طلبها. فهم يعلمون انه فور الوصول الى السلطة سيجدون من يغسل لهم اتساخهم، ومن يغطي جراحهم بلباس مخملي، ومن يخدم التراب المتناثر من اكعاب احذيتهم، ليس محبة لهم، بل لأنه هو أيضاً ينتظر فرصته ليصل الى السلطة، وبالطريقة نفسها التي اتبعها اولئك. لقد تجاهل هؤلاء ان معطي السلطان للبشر اتى ليخدم لا ليُخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (مر 10: 45). وانه لم يكن لهم سلطان على بشر لو لم يُعط لهم من فوق. ولكن للاسف، بعض هؤلاء همهم الاول والاخير ان يدوسوا على من هم تحت فليس لديهم وقت للنظر الى فوق وتعاليم فوق. فالمشكلة اذاً ليست في السلطة، انما في كيفية استخدامها.
ومن الناس اخيراً من يحيون للمسيح وعبره يحيون مع الآخر دون النظر الى فوارق السن والمجتمع. هؤلاء يحيون بالايمان "لأن البار بالايمان يحيا" (عب 10/ 38). فهم صلبوا اجسادهم مع المسيح، كما قال الرسول بولس: "مع المسيح صُلبت فأحيا لا انا بل المسيح يحيا فيّ. فما احياه الآن في الجسد فانما احياه بالايمان ايمان ابن الله الذي احبني واسلم نفسي لأجلي" (غلا 2: 12). هذا النوع من الناس هم الذين يرون في كل شخص المسيح، فيساعدون الفقير، ويبلسمون اوجاع المريض، ويعزون الحزانى باستمرار دون كلل او ملل، لأنهم لا يعطون من انفسهم شيئا، انما يعطون المسيح الذي يحيا فيهم ويحيون له وفيه.
فلنتساءل الآن عن الحياة التي نحياها ولمن نحياها ولنختر النصيب الصالح والمثال الحي الا وهو ان نحيا للمسيح على مدى الدهور.