"اجعل ياربّ حارساً لفمي. احفظ باب شفتي."

( مز 3:141)

من أسوء السّلوكيّات المشوّهة لإنسانيّة الإنسان ولصورة الرّبّ فيه، سلوك النّميمة الّذي يسبّب الكثير من المشاكل، ويؤدّي إلى قطيعة بين الأشخاص. كما أنّه يُسقط الظّلم على الآخر ويُخضعه لسوء ظنّ النّاس وإدانتهم. والنّمام هو الشّخص الفارغ من داخله، الّذي يفتقد إلى القيمة الكلاميّة، ويفتقر إلى الامتلاء الثّقافي الرّصين. والأهمّ أنّه يعوزه الامتلاء من كلام الرّبّ.

النّمام فارغ من المحبّة أو بمعنى أصحّ لا يسمح للمحبّة أن تتكلّم فيه. فنرى داخله يضجّ بالفوضى والأصوات الخارجيّة، والأخبار السّطحيّة والسّخيفة. يتكلّم أكثر ممّا يصغي، ويبحث عن أيّة فرصة للحديث عن الآخر كي يخفي هذه الفوضى وهذا النّقص المتعشّش فيه. ولا شكّ أنّه يعاني من نقص عاطفيّ لم يلقه في التّربية، ولم يتعلّم كيف يحبّ ذاته انطلاقاً من الله كيما يتمكّن من محبّة الآخر. وبين هذه الفوضى وهذا النّقص العاطفي يتولّد عدم الاحترام للرّبّ السّاكن فيه. فالنّمام لا يشوّه صورته وحسب بل يعكس صورة قبيحة عن هيكل الله النّقيّ والطّاهر، بل يجعل الرّب نمّاماً، حاشا لله.
يقول القدّيس يعقوب في رسالته الفصل الثّالث: "لأنّنا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا. إن كان أحد لا يعثر في الكلام فذاك رجل كامل، قادر أن يلجم كلّ الجسد أيضاً". (2:3). الّذي لا يعثر في الكلام هو ذلك الّذي لجم كلّ جسده بكلمة الرّبّ، وجعلها تتسرّب إلى أعمق مكان فيه. لأنّ الإنسان لا يستطيع بقدرته الشّخصيّة أن يلجم جسده، وذلك بسبب كبريائه وحبّه للظّهور. وأمّا الممتلئ من الرّبّ، فهو ذاك الّذي سلك بفكر الرّبّ فامتنع تلقائيّاً عن أيّ فعل يمكن أن يسيء إلى الآخر.
ويضيف القدّيس يعقوب: "اللّسان نار! عالم الإثم. هكذا جعل في أعضائنا اللّسان، الّذي يدنّس الجسم كلّه، ويضرم دائرة الكون، ويضرم من جهنم." (6:3). اللّسان غير المنضبط والمتفوّه بالشّرّ، يحوّل الجسد كلّه إلى آثم، لأنّ ما يخرج من الإنسان ينجسّه. بمعنى آخر، يبدأ الشّرّ في الفكر، ثمّ يتبلور ليخرج بالكلمة ثمّ بالفعل. وهذا الشّر نار تشتعل لتبيد كلّ ما حولها.
أن نقول الشّرّ على الآخر، بغضّ النّظر إن صحّ ذلك أم لا، فهذا يعني انتهاكاً لكرامته وازدراءً بها، وبالتّالي ازدراء بصورة الله الّتي فيه. والنّميمة فعل شرّير على كلّ المستويات، فهي فعل ظلم وقهر يتسبّب في جرح الآخر في صلب إنسانيّته. وهو فعل قتل، لأنّ الكلمة السّيّئة تقتل الرّوح.
النّميمة إهانة مباشرة لله، لأنّ "كلّ ما فعلتموه بإخوتي هؤلاء الصّغار، بي أنا فعلتموه." (متى 40:25). فيا ربّ اجعل حارساً لفمي، واحفظ باب شفتيّ.

» بارك أعدائي ياربّ ..
» احفظ فمك