[rtl]على ضوء القيامة المجيدة تنكشف لنا كلّ الحقائق، وتتحدّد لنا مفاهيمها، ويزول كلّ البتاس يؤرق عقولنا ويرهق نفوسنا. بقيامة المسيح نفهم سبب وجودنا وهدفه، وتتجلّى لنا حقيقة حياتنا ويتّضح مسارها. إلّا أنّ القيامة يسبقها الموت، الحقيقة الصّادمة الّتي يعاينها الإنسان ولا يفهم ماهيّتها.[/rtl]
[rtl]الموت نعمة كبيرة إذا ما نظرنا إليه انطلاقاً من المسيح، وقرأنا ماهيّته على ضوء قيامة الرّبّ. وإذ نعلم أنّ بالمسيح أصبح كلّ شيء جديداً، فذاك يتضمّن طريقة فهمنا للحقائق وإدراكنا لمفهومها المخالف للفكر الإنسانيّ. [/rtl]
[rtl]يظهر لنا من خلال تجسّد الرّبّ وموته وقيامته أنّ الحياة ليست سوى مراحل تحرّريّة تبلّغنا الحرّيّة الكاملة. بالتّالي ليس من حرّيّة كاملة في هذه الحياة بل خطوات نتّخذها لنتحرّر من دواخلنا، لأنّ الحرّيّة تنبع من داخل الإنسان وليس من خارجه. وكلّ ما نطالب به من حرّيّة واستقلاليّة لا يتحقّق إلّا بالتّحرّر من الدّاخل أوّلاً. وبقدر ما ننفتح على كلمة الرّبّ ونسمح لها بالتّسرّب إلى أعماقنا، نتحرّر من قيودنا الفكريّة والنّفسيّة والرّوحيّة، ونشقّ طريقنا نحو الحرّيّة، الحرّيّة في المسيح.[/rtl]
[rtl]يولد الإنسان ويختبر الحياة بكلّ ما فيها من إيجابيّات وسلبيّات إلى أن يصل إلى الموت كمرحلة نهائيّة لحياته. لكنّه لا ينتظره وغالباً ما يستبعده ويظلّ متشبّثاً بالحياة على الرّغم من كلّ مآسيها. وما هذا التّشبّث إلّا نوع من عبوديّة لأنّه يخاف الموت. والخوف يستعبد الإنسان ويعيق مساره ويعطّل قدرته على المضيّ قدماً نحو الحرّيّة. من هنا نفهم أكثر معنى أنّ المسيح قبل الموت طوعاً، ونعي أكثر مفهوم الخلاص.[/rtl]
[rtl]يعلّمنا السّيّد أن نقبل الموت لا أن نُقبل عليه. فقبول الموت غلبة عليه، ومواجهة للمرحلة الأخيرة، وفعل حرّيّة يرفعنا إلى مستوى المجد الإلهيّ. والمسيح لم يبحث عن الموت بل واجهه وقبله من أجل الحقيقة وغلبه بالقيامة. ولم يكن صعباً على السّيّد أن يتخطّى هذا الموقف، أي أن يمنع الموت عنه، وكان بإمكانه أن يخلّصنا بإشارة منه. إلّا أنّه لا بدّ أن نمرّ بالموت لنغلب الموت وندخل الحياة. [/rtl]
[rtl]" إن لم يكن المسيح قد قام، فباطل إيمانكم. وأنتم بعد في خطاياكم" ( 1 كورنتس 17:15). قيامة الرّبّ مرتبطة بتحرّرنا من إنسانيّتنا الرّازحة تحت ثقل الخطيئة الّتي هي رفض المحبّة وبالتّالي رفض الله واستبعاده. وبموت المسيح وقيامته تحرّرنا من هذا التّشويه الّذي أصاب إنسانيّتنا الّتي على صورة الله، واستعدنا إنسانيتنا الحرّة. إلّا أنّ خلاصنا يتوقّف على مدى تفاعلنا مع الرّبّ، ومدى سعينا للمحافظة عليه. وذلك بأن نلبس المسيح ونحيا به ومعه، ونسلك مثله حتّى نبلغ الموت ثمّ القيامة. " إنّي أحسب كلّ شيء أيضاً خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربّي، الّذي من أجله خسرت كلّ الأشياء، وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح، وأوجد فيه، وليس لي برّي الذي من النّاموس، بل الّذي بإيمان المسيح، البرّ الّذي من الله بالإيمان. لأعرفه، وقوّة قيامته، وشركة آلامه، متشبّهاً بموته، لعلّي أبلغ إلى قيامة الأموات. ( فيليبي 11،8:3).[/rtl]
[rtl]أن نحسب كلّ شيء خسارة من أجل معرفة المسيح، فهذا يعني أنّ كلّ ما نحياه، وكلّ ما يحيط بنا ملتبس إذا لم نعرف المسيح. كما أنّه يعني استغناءنا عن كلّ شيء أي تحرّرنا منه من أجل أنّ اللّقاء بالمسيح. إنّ معرفة المسيح ليست معرفة عقليّة وحسب وإنّما معرفة تشمل كياننا كلّه، فندخل معه في شركة تامّة لتصبح حياتنا حياته، وحياته حياتنا. بالتّالي نسير في هذه الحياة كالمسيح ونموت مثله ونقوم معه. عندها يكون الموت نقطة عبور نحو الحرّيّة الكاملة واستمراريّة للحياة مع الله. [/rtl]
[rtl]" أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا" ( يوحنا 25:11). ما يعني أنّ الموت باب نحو الحرّيّة الكاملة. ننام هنا لنصحو في قلب الله ونحيا حرّيّتنا الكاملة حيث لا شيء يأسرنا. لا تناقضات، ولا أحزان، ولا عواطف هشّة، ولا حقائق ملتبسة، ولا تساؤلات مقلقة، بل حقيقة نعاينها وجهاً لوجه، وحياة أبديّة تحقّق لنا هدف وجودنا. [/rtl]
[rtl]ولمّا كنّا لا نعرف ساعة الموت ولا تتضّح لنا معالمها وجب أن نكون مستعدّين دوماً للقاء الرّبّ، فنستودع أرواحنا دائماً بين يديه، ولا نتهاون في سعينا الدّؤوب للتّحرّر من كلّ ما يمكن أن يعيق مسيرتنا نحوه. [/rtl]
[rtl]المسيح قام... حقاّ قام. [/rtl]
[rtl]. [/rtl]