" وكان يسوع ينمو في القامة والحكمة والنّعمة عند الله والنّاس." ( لوقا 52:2).
التّربية هي أصعب المهام الّتي يقوم بها الإنسان على الإطلاق، لأنّها تتطلّب الكثير من المحبّة والصّبر والحكمة والتّحلي بقدرة على تحمّل المسؤولية. ولا بدّ أنّ الله يسكب في قلوب الآباء والأمّهات محبّة فائقة حتّى يتمكّنون من القيام بهذه المهمّة. ولا نظنّن أنّه لولا هذه المحبّة استطعنا أن نرافق أبنائنا ونتعب معهم وعليهم ونؤمّن لهم كلّ مستلزماتهم. إلّا أنّ هذه المستلزمات لا تقتصر على الماديّات ولعلّ الماديّات هي الأمر الأسهل والأيسر. هناك ما هو أبعد وأعمق من المتطلّبات الماديّة والحاجات اليوميّة والمقتضيات العصريّة والنّموّ الجسدي، وهو النّمو الفكري والرّوحي.
في هذا الزّمن الصّعب لا شكّ أنّ الأهل يعانون من مشقّات التطوّر السّريع ويهتمّون بمواكبته وتأمينه لأبنائهم ويبذلون قصارى جهدهم ويكدّون ويتعبون في سبيل ذلك. ولكن مع الأسف نفتقد اليوم وبشكل أساسي إلى بذل جهود مضاعفة في سبيل النّموّ الفكري والرّوحي. فأولادنا مصابون بالتّخمة على مستوى الماديّات كما على مستوى الأيديولوجيات والنّظريّات المتاحة لهم مجّاناً وبشكل يسير مع غياب المراقبة والحوار وتبيان الصّواب من الخطأ، ممّا أدّى إلى تلاشي النّموّ الرّوحي. فهذه النّظريّات المطروحة أمامهم والّتي بأغلبها تهدف إلى تدمير عقولهم وتشويه أرواحهم، وهذا الكم الهائل من المعلومات الّتي يتلقّفها الأولاد بشكل عشوائي دون مراقبة وتدريب على حسن الاختيار وعدم استخدام كلمة الله الحيّة كمرجع لحياتهم، يؤدّي بهم إلى الانحراف والضّياع والابتعاد عن النّمو بالنّعمة.
لسنا كاملين كأهل ونشكر الله أنّنا لسنا كذلك وإلّا لما أتيح لأبنائنا أن يختبروا الحياة ويتعلّموا منها ولَتحوّلوا إلى آلات لا تتمكّن من حسن الاختيار والقرار. ولكن بالمقابل نحن مسؤولون عن وضعهم على الطّريق السّليم وزرع كلمة الرّبّ فيهم والسّهر على نموّها كيما يكونوا مسلّحين بحكمة الرّبّ ونوره. وبالتّالي سيكونوا مؤهّلين لمواجهة كلّ خطر فكريّ ومعنويّ وروحيّ.
يحسن أن نمنح لأبنائنا وقتاً معيّناً للسّماح لهم بالتّعبير عن هواجسهم وأفكارهم ومناقشتهم فيها والتّوصّل معهم إلى نتيجة حتميّة وهي أنّ الرّبّ فقط هو نور العقل والنّفس والرّوح. كما يحسن أن نعلّمهم على القناعة والحصول على ما يريدون باستحقاق منهم وليس لأنّ العصر يتطلّب ذلك أو لأنّهم يريدون تقليد المحيطين بهم. ولا يكون ذلك إلّا بالمحبّة والتّفهّم والقدوة والصبر المستمدّ من قلب الله. ليس المطلوب أن نحرم أبناءنا من حقوقهم أو أن نمنعهم من مواكبة العصر ولكنّ المطلوب أن نربّيهم على التّواضع والثّقة بالنّفس ونجعلهم يختبرون بأنفسهم بالإمكانيّات المتاحة أنّ هذا العالم بكل ما فيه من مغريات لا يستحقّ أن يأسرنا ويبعدنا عن محبّة الرّبّ.
أبناؤنا ينمون ويكبرون أمام الله والنّاس، ونموّهم في القامة والحكمة والنّعمة يؤكّد دورهم في مشروع الله الخلاصيّ. ودورنا كأهل يتركّز في أن ندلّهم على دورهم ونساعدهم على تأديته بأكمل وجه إكراماً لمشيئة الرّبّ له المجد إلى الأبد.