fr.boutros Director-General
عدد المساهمات : 3017 تاريخ التسجيل : 18/11/2009
| موضوع: القديس غريغوريوس بالاماس 30/3/2013, 5:00 pm | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]غريغوريوس بالاماس رئيس أساقفة تسالونيك المينولوجيون
إنَّ الكارز العظيم بالحقيقة، بالنور البهي العجيب، قد اقتاده الآن ينبوع اللمعان، إلى ضياء لا يغيب. إنَّ هذا الجليل، ابن النور الذي لا يشوبه مساءٌ، إنسان الله بالحقيقة، وخادم الإلهيات العجيب، قد كان منشؤه من بلاد آسيَّا، ابناً لوالدين شريفي الحسب والنسب، واجتهد أن يزيِّن بالفضيلة والأدب، ليس فقط الإنسان الخارجي المحسوس، بل بالأحرى الداخلي غير المنظور. فلمًّا توفي أبوه، ربَّته والدته من صغر سنّه مع إخوته وشقيقاته، وادَّبته بأدب الرب، وبالنصائح الإلهيَّة، والعلوم الشريفة، واعتنت بوضعه عند معلمين ليتروَّض جيّداً بالحكمة الخارجيَّة. فمذ مزج الجهد اللائق مع ذكائه وحذاقته الطبيعيَّة، حصل في برهة بسيرة على علوم وفنون مختلفة. ولمَّا بلغ إلى سنّ العشرين سنة، احتسب كلّ الأشياء باطلة أرضيَّة وأخدع من الأحلام، وطلب أن يبادر نحو الإله المسبّب، والواهب كلّ حكمة، ويفرز ذاته بجملته له، بواسطة سيرة فضلى كاملة. فمن ثمَّ كشف لوالدته قصده المرضي لله، وشوقه وعشقه الحارَّ نحو الله، الكائن في قلبه منذ زمان طويل، فوجدها مشتاقةً، وهي أيضاً، لمثل ذلك، ومبتهجة معه بالسويَّة، لأجل ما عزم عليه، فجمعت الأمُّ حالاً بنيها حولها وقالت بحبور، ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الله. وجرَّبت عزمهم نحو الأشياء الصالحة، وكشفت لهم قصد أخيهم الأكبر، وهو أيضاً معهم، بأقوال نصحيَّة فأقنعهم حالاً جميعهم، ووجدهم تابعين بنشاطٍ لعزمه وشوقه الحاصل عنده، لترك الحياة والهرب منها. ففرَّق موجوداته على البائسين حسب قول الإنجيل، وغادر بشهامةٍ الأنظار الملوكيَّة، والكرامات، ومجد البلاط الملوكي، وتبع المسيح. فبعد أن رتَّب والدته وشقيقاته في دير العذارى، أخذ إخوته وذهب إلى جبل أثوس المنسوب إلى القداسة. فأمَّا إخوته، فأقنعهم أن يلبثوا مقيمين في غير أديرة، ويستسير كلٌّ منهم بالسيرة المرضيَّة لله، إن لم يسمح لهم الوقت بأنهم يجتمعون ويكونون متَّحدين مع بعضهم. وأمَّا هو فسلَّم ذاته لطاعة رجل عجيب، عائش بالهدوّ، لله وحده، يدعى نيكوديموس، الذي منه تعلَّم كلّ وصيَّة وكلّ فضيلة بواسطة الأعمال، بتواضع نفس. وإذ اقتبل، في ذلك المحلّ بإستعلانٍ سرّي، معاضدة والدة الإله الكلية الطهارة وعونها للجميع الذي لا يحارب، بعد أن انتقل ذاك إلى الرب، توجّه إلى سيق سابا العظيم، وأقام به مدَّةً من السنين. وبعد ذلك، باهتمام عظيم، وعزم يضاهي عزم الشيوخ، انتزح عن السيق، لأجل محبَّة الهدوّ، واعتنق القفر. وإذ كان دائماً يزداد هيامه هياماً، ويؤثر أن يكون مع الله على الدوام، دفع ذاته لتقشفٍ عظيم، واستسار بغاية الزهد والتنسُّك، فأصرف الحواس عن الأمور الأرضيَّة، وجمعها من كلّ ناحية بصلاة خشوعيَّة، ورفع العقل نحو الله، وجعل الوقت جميعه لاهتمام الصلاة، ودراسة الأمور الإلهيَّة، وثقَّف سيرته حسناً. فبمؤازرة الله، دحض قتال الجن بالكليَّة، وقهرهم ببسالة، وطهَّر نفسه بانسجام ينابيع العبرات مدى الليالي، فحصل إناءً منتخباً لمواهب الروح الإلهي، واستحقَّ لمعاينة المناظر الإلهيَّة بتواتر. ثمّ، والأعجب من ذلك، إنه، وبعد انتقاله إلى تسالونيكية من تلقاء غارات الإسماعيليين، وإذ كان يعمل الاسقيطة التي في باريا، وكان مضطرّاً أن يتردَّد ويقيم في بعض المدن، ما ترك، ولا بسبب ذلك أيضاً، ما قد كان عليه، من كمال السيرة والتصرُّف.
فلمَّا نقَّى وطهَّر نفسه وجسده تطهيراً كاملاً في مدَّة من السنين ليست بيسيرة، انتخب من الله لقبول موهبة الكهنوت العظيمة، وكان، كفاقد الهيولى وخارج عن ذاته، يكمّل جميع أسرار هذه الخدمة، حتى أنّه كان بالنظر إليه فقط يخشع نفوس الناظرين، فحصل عظيماً بالحقيقة، وعرف لدى المستسيرين بحسب ما يرضى الله أنه إناءٌ للروح. وبما أنه هكذا، كان يظهر أيضاً للذين ينظرون ظواهره، أنه له قوَّة على الشياطين، وينقذ من كان اقتنص من حيلهم وخداعهم، وينقل مِحل الأشجار إلى خصب، ويسبق فينظر المستقبلات. وكان مزيناً بباقي مواهب الروح الإلهي وأثماره. فحيث أنّ فعل الفضيلة هو متعلّق في إرادتنا، إلاّ أنّ السقوط في التجارب ليس هو منوط بسلطتنا. ولكون أيضاً، بدون هذه لا يحصل كمال ولا اظهار الإيمان بالله، (لأنه يقال إنّ العمل والشوق الصالح متى اجتمعا يكمّلان الإنسان المتصرف بما يرضي الله) فلذلك، حصل السماح بأن يسقط هذا المعظَّم بتجارب ومحن مختلفة ومتواثرة، لكي بالجميع يظهر كاملاً بالحقيقة. فأي عقل يستطيع أن يتصوَّر ما حدث له من ذلك، وأي قول يمكنه أن يصف حيل المحارب الشديدة التي حصلت أعظم من التي سبقت قديماً، وثلْب محاربي الله المحدثين وإتّهامهم إياه، والأضرار والأحزان المتنوعة التي احتملها منهم في مدَّة ثلاث وعشرين سنة، التي ما كفَّ محارباً فيها ومناضلاً عن حسن العبادة. لأن الوحش الإيطالي، أعني برلام الكالافري، إذ كان يتباهى ويترفع بالحكمة الخارجيَّة، وبباطل أفكاره وأرائه، يحتسب أنه خبير بكلّ شيء، أثار حرباً شديدة على كنيسة المسيح، وعلى إيماننا المستقيم، وجميع المعتصمين به اعتصاماً وثيقاً. لأنّه، كان يعتقد بجنون، أنّ نعمة الآب والابن والروح القدس، ونور الدهر العتيد الذي به سيلمع الصديقون كالشمس، كما سبق المسيح فأظهره بإشراقه على الجبل، وبالجملة كلّ قوَّة وفعل اللاهوت المثلَّث الأقانيم، وكلّ ما يفرق قليلاً عن الطبيعة الإلهيَّة، هو مخلوق. وأمَّا الذين، بحسن عبادة، يعتقدون أنّ ذاك النور الإلهي، كما وكلّ قوَّة وفعلٍ للاَّهوت، هو غير مخلوق، بما أنّ ولا خاصَّة من الخواص الطبيعيَّة الإلهيَّة هي محدثة لله، فبأقوال وتأليفات مطنبة كان يدعوهم برلام ذوي إلهين وكثيري الآلهة، كما يسمينا اليهود وصاباليوس واريوس.. فلأجل ذلك، استُدعي غريغوريوس من الكنيسة، وحضر إلى القسطنطينية، كمناضل ومجاهد شهير عن حسن العبادة، ومحارب أشدّ بأساً، وقابل كل ثلب ومذمَّة من أجلها، وكان المحامي، إذ ذاك، عن حسن العبادة، اندرونيكوس الملك الباليولوغوس الرابع، فعُقد مجمع شريف. فلمَّا حضر برلام وأظهر معتقداته السيئة الرأي، ومثالبه للحسني العبادة، إمتلأ غريغوريوس العظيم روحاً إلهيّاً، وتسربل من العلا قوَّة لا تحارب، فأبكم ذاك الفم المفتوح على الله وأخزاه للغاية، وبأقوال وتأليفات ناريَّة، أحرق قشّ بدعه، وأحالها إلى رماد. فلمَّا لم يحتمل الخزي، هذا المحارب لحسن العبادة، هرب نحو اللاتينيين من حيث وافى، وأقام هناك. وبعد ذلك، حالاً هذا الآب غريغوريوس، وبَّخ وفضح بوليكيندوينوس، بواسطة مجمع، وبأقوال مضادَّة لتعاليمه الكاذبة، أفرز مصنَّفائه. إلاَّ أنّ المشاركين فساد أولئك، ولا بذلك، كفّوا عن محاربة كنيسة الله. فلذا، بإلزام المجمع الشريف، والملك ذاته، وبالأحرى بانتخاب من الله، أذعن غريغوريوس وارتقى على سدَّة رئاسة الكهنوت، وحصل راعياً لكنيسة تسالونيكية الشريفة. فتكبّد جهادات أكثر جدّاً مما سبق، من أجل الإيمان القويم الرأي، بشجاعةٍ وتجلّدٍ، لأنه بأقوال ومصنَّفات ملهَج بها من الله، بأشكال متنوعة، نقض وقلب معتقدات وتأليفات خلفاء برلام واكيندينوس الأشرار، لمَّا ظهروا كثيرين وأشدَّاء، كنتائج رديئة من وحوش رديئة، وذلك ليس مرَّة أو مرَّتين أو ثلاث مرار فقط، بل مراراً عديدة، وليس على عهد ملكٍ وبطريرك واحد، بل على عهد ثلاثة ملوك متقلّدين صولجان الملك بتتابع، وثلاثة بطاركة، ومجامع يعسر إحصائها، وقهرهم بالكليَّة، وحطم قوَّتهم للغاية. مع ذلك، قد بقي بعضٌ منهم على هذه الصورة، لمَّا لم ينعكفوا، ولا انثنت عزائمهم، ولا احتسبوا القضاء العلوي شيئاً. لأن، ومن جميع الهرطقات، يوجد أيضاً للآن بقايا تتواقح على القدّيسين الذين ضمحلوها، لكي لا أقول جنس اليهود، الكلي الجسارة والقحّة، الذي، وللآن، هو مصرٌّ على جنونه ضدَّ المسيح.
فهذه هي كميَّة وكيفيَّة ظفر المعظَّم وانتصاره على الملحدين بوجه الإختصار، إلاَّ إن الله، بطرائق لا يلفظ بها، أرسله معلماً للمشارق، فأرسل كسفير من تسالونيكية إلى القسطنطينية، ليصالح الملوك، بما أنّه كان بينهم خصومة، فقبض عليه من الهاجريين، وضبط عاماً كاملاً، جائلاً من مكان إلى مكان، ومن بلدة إلى بلدة، ومعلّماً بإنجيل المسيح بشهامة. فأمّا للثابتين في الإيمان، فكان يوطّد بالأكثر ويقوّي وينصحهم أن يلبثوا مقيمين على الإيمان. وأمّا للمتقلقلين به، الذين كانوا يوردون بعض مشكلات وأبحاث عمَّا كان يصير في ذاك الوقت، فكان يثبّت بحكمة إلهيَّة، مانحاً إياهم العلاج الكافي، والحلّ، لمّا كانوا يعترضون به. وأمَّا لباقي الكفرة، والذين انشقّوا بشقاوة عن المسيحين، ولاذوا بأولئك الثالبين اعتقاداتنا في تدبير تجسد ربنا وإلهنا وسجودنا للصليب الكريم والأيقونات المقدَّسة، كان يخاطب أحياناً كثيرة بمجاهرة. وكان أيضاً، يتكلم عن محمَّد، وعن مباحث أخرى كثيرة مقدَّمة منهم. فالبعض كانوا يتعجبون منه، وأخرون كانوا يزأرون ويمدّون أياديهم عليه، الذين، لولا أملهم بأخذ أمواله، لكانوا أماتوه شهيداً. إلاَّ أنّ العناية الإلهيَّة حفظته كما ذكرنا. فبعد أن جرى ذلك، نُجي المعظَّم وأُنقذ من الحي المسيح، ورجع ثانياً إلى رعيته سالماً، كشاهد بغير سفك دمه. فمع المواهب والمزايا الأخرى العظيمة التي كانت له، تزيَّن، وهو أيضاً، بعلامات المسيح، حاوياً في ذاته، كما يقول بولس، اعواز المسيح. ولكي نظهر بعضاً من خاصيَّاته، نذكر أخصَّ ما يكون، وهي هذه الوداعة والتواضع بما يفوق الحد، حيث لم يكن قول عن الله، وعن الأمور الإلهيَّة، لأن في مثل ذلك كان محارباً شديداً، عدم الحقد وفقدان الشر. الاهتمام بقدر الاستطاعة بأن يجازي بالحسنات للذين كانوا يظهرون أردياء في بعض أشياء نحوه. عدم تصديق السعاية والأقوال ضدَّ الأخرين بسهولة. الثبات والتجلُّد بإزاء المحن الصعبة الواردة عليه. التنزّه عن كلّ لذَّة ومجد فارغ. التذلل والإقتصاد في جميع مقتضيات الجسد، مع أنّه كان ضعيفاً جدّاً، من جراء الوقت. التجلُّد بهدوء وعدم اضطراب. البشاشة دائماً، التي كانت بهذا الحد مطبوعة فيه، حتى إنّه، من ظواهره، كان يعلّم للناظرين. ثم التعقل والإصغاء في كلّ شيء. عدم خلو عينه من الدموع تقريباً على ما كان يحدث، بل توجُّعه دائماً لذلك، بينابيع دموع. فعلى هذا المنوال، جاهد مكافحاً بإزاء الآلام والشياطين من الإبتداء إلى الإنتهاء، وطرد الأراتقة بعيداً عن كنيسة المسيح، وجاهر بالإيمان القويم الرأي، بأقوال ومصنَّفات، التي بواسطتها ختم كلّ كتاب ملهج به من الله، بما أنّ سيرته وقوله حصل كخاتمة وختمٍ لسيرة القديسين وقولهم. ورعى أيضاً رعيته رعاية رسوليَّة ومرضيَّة لله مدَّة ثلاث عشرة سنة، وزيّنها بأقوال أدبية، وقادها إلى صيرة سماويَّة، وحصل كفاعل عمومي للأرثوذوكسيين، الذين كانوا إذ ذاك أحياء، وللصائرين من بعدهم. ثم انتقل إلى حياة فائقة العالم، في سنة ألف وثلاثمائة واثنتين وستين من المسيح، بعد أن عاش ثلاث وستين سنة. فأمَّا روحه فأسلمها بيد الله، وأمَّا جسمه الشريف، فتركه للرعية الذي هو باقٍ لحد الآن، في مدينة ثسالونيكية، منلألأ وممجّداً في النهاية بحالة بديعة، كميراث وكنز فائق الثمن. لأنّه يجود بالعجائب دائماً على كلّ من اقترب إليه بإيمان، ويمنح العتق من أسقام مختلفة، التي تاريخه، قد يصف منها جانباً ليس بيسير.
فبشفاعاته، اللهمّ ارحمنا وخلّصنا. آمين | |
|