الى روح ابني:"انتظر لقياك".
عندما كان الوثنيون يعذبون الشهيد اواروس كان بين جمهور المشاهدين امرأة غنية وتقية فلما رأت ان الشهيد قد اسلم الروح ونال الشهادة حملت جثمانه واخذته الى وطنها فلسطين وشيدت له كنيسة فخمة وكان ذلك في بداية زوال الاضطهاد واضمحلاله وكان لهذه المرأةولد وحيد كانت قد ركزت كل امالها عليه لان زوجها كان قد توفي قبل سنين كثيرة وتركها ارملة فارسلت الى الحكام اموالا كثيرة طالبة اليهم ان يمنحوه رتبة شريفة فقبل طلبها وصدر اعلان ملكي بمنح الرتبة لولدها لكنها اجلت مراسيم الاحتفال بهذه المناسبة لانشغالها بتشييد كنيسة الشهيد القديس
فلما انتهى تشييد الكنيسة دعت اساقفة الابرشية وكهنتها للقيام بتدشين الكنيسة كما انها دعت جميع الرهبان الذين لمعت حياتهم بالفضيلة واثناء الخدمة نقلت جثمان الشهيد القديس الى الكنيسةووضعت عليه الرداء والزنار اللذين سيتشح بهما ولدها لكي يتباركا وساهمت في وضعهما عليه
ثم تابعت اشتراكها في خدمة السهرانية ممجدة الله مع جمهور الحاضرين وفي اواخر السهرانية تقدمت هي وابنها الى نعش الشهيد وقبلاه بوقار وحملاه الى هيكل الكنيسة ووضعاه هناك ثم ركعت امامه واخذت تطلب منه بدموع ان يتشفع الى الله لكي يمنحها الخير مع ابنها
ولما طلع النهار وانتهى القداس الالهي صنعت المراة التقية مائدة فخمة لجميع المشتركين في الخدمة الالهية وقامت بخدمة الشعب هي وابنها الذي اوصته الا ياكل ولا يشرب قبل نهاية الوليمة
وعند المساء بعدما انتهت الوليمة ذهب الولد الى غرفته واستلقى على سريره مضنكا من شدة التعب وما هي الا لحظات حتى فاجاته حمى شديدة فلما راته امه تركت كل شيء وجلست بقرب سريره جائعة نعسانة محاولة ان تخفف عنه حرارة الحمى الي اوشكت تلهبه لكن ما بذلته من جهد في انقاذ ابنها من خطر الحمى بات دون جدوى يا لعمق احكام الله التي لا تستقصى لم ينتصف الليل حتى كان ابنها معدودا بين الاموات
فلما رات هذا المشهد المريع سقطت على الارض مغمى عليها لكنها عادت بعد قليل الى رشدها وحملت للحال ابنها الميت على كتفها واخذته الى كنيسة الشهيد ووضعته امام رفات القديس في الهيكل واخذت تكلم الشهيد كانه واقف امامهاوتقول له الهذا الحد كانت خطيئتنا كبيرة امامك يا شهيد المسيح لتحل بنا مصيبة كبيرة كهذه؟الم اترك جثمان رجلي في الغربة لاهتم بكل نفسي بنقل جثمانك؟الم اشيد كنيسة على اسمك؟ واذا كنت لا اعمل كل هذه الاشياء لاكرامك الم اقدم لك نفسي باخلاص ونية صادقة؟
ما بغيتي من هذه كلها وما الخير الذي كنت ارجوه سوى خلاص ابني وبقائه بقرب امه حتى شيخوختها يا لتعاستي لقد خابت كل امالي وها اني ارى يا شهيد المسيح عكس ما كنت اتوقع لكني اطلب اليك الطلب الاخير اما ان تنعم علي بموت منقذ اياي من هذا الالم حتى اذهب الان انا الام التعيسة من هذا العالم والتحق بابني
وفيما هي تبكي وتنوح نامت من شدة الحزن واستراحت قليلا وفيما هي نائمة ظهر لها ابنها مغمورا من الشهيد اواروس كانه ابنه الخاص والاثنان متشحان بثياب براقة بحال تفوق الطبيعة وراسهما مكللان باكليلين جميلين يفوحان برائحة طيب الهي يمتنع وصفها
وفيما هي في هذه الحال قال لها الشهيد يا امراة لماذا لا تفرحين ولا تطردين الحزن الذي يزعج قلبك اتظنين اني عديم الشكر والاحساس الى هذه الدرجة بكل ما قدمت وصنعت من اجلي؟ ام تعقدين اني لم اكافئك على كل ما ضحيت في سبيلي ؟الا ترين بعينيك المجد الذي استؤهل اليه ابنك ؟انظري النعمة التي يسطع بها وجهه لماذا لا تتركين الحزن لتفرحي وتتهللي مسرورة ؟فاذا كنت تشكين بذلك اقتربي منه لتعايني بوضوح اكثر ما يتجلى به ابنك من لمعان
وبعدما تكلم بهذا قال للصبي اقترب من امك يا بني واظهر لها حالتك وعزها لكي تتوقف عن البكاء والنحيب اما الصبي فلم يشاء ان يقترب من امه بل التصق بالشهيد وتمسك به جيدا لكي لا يفلت منه ثم قال لامه اذهبي يا امي وعيشي وحدك ولا تكترثي بالبكاء لانه من الحماقة ان افضل الموت على الحياة والحزن على اللذة التي لا نهاية لها والحياة الزمنية على الابدية
فعندما سمعت هذه الاقوال من ابنها اخذت تتوسل الى الشهيد بحرارة لكي يضمها مع ابنها لتتمتع بالخيرات السماوية التي عاينتها اما هو فقال لها لم يحن الوقت بعد بل سيري في طريق الخلاص ولما قال لها هذا دعا لها بالسلام وصعد مع الصبي الى المساكن العلوية
وللحال استيقظت المراة التقية واخذت تؤدي الشكر العظيم لله والشهيد وبعدما وضعت جثمان ابنها بجانب نعش الشهيد قامت بخدمة السهرانية مع جميع الحاضرين ممجدة الله وشاكرة اياه وفي الغدبعد نهاية القداس الالهي صنعت مادبة فخمة لجميع المشتركين بالصلوات والتراتيل
ثم باعت كل ممتلكاتها ووزعت اموالها على الفقراء ولبست ثوبا حقيرا ونذرت نفسها لخدمة قبر الشهيد والعناية به يوميا عائشة بالصلاة والصوم وبهذه الخدمة تمكنت من تنقية داخلها تنقية تامة مما جعلها تعاين مع ابنها كل يوم من ايام الاحاد مزينين كما عاينتهما قبلا وبهذا كانت تتعزى بهما في حزنها .وبعدما قضت سبع سنوات في هذه الحالة انتقلت الى الغبطة السماوية