نورما مشرفة
عدد المساهمات : 1361 تاريخ التسجيل : 13/02/2010
| موضوع: في الضمير .. 10/2/2012, 4:06 pm | |
| في الضمير عندما خلق الله الإنسان جعل فيه غرساً إلهياً، قدرةً كلها حيويّة وضياء مثل الشرارة لإنارة الفكر، ولتمييز الخير من الشر. هذا مايُعرف بالضمير الذي هو الناموس الطبيعي. إن الأجداد وكل القدّيسين قد أرضوا الله باتباعهم ناموس الضمير هذا قبل ورود الناموس المكتوب. ولكن بعد أن طمره الناس تدريجياً، وداسوه بأقدامهم من جرّاء خطاياهم، وجب علينا الالتجاء، إذ ذاك ، إلى الناموس المكتوب ، إلى الأنبياء القديسين وأخيراً مجيء ربّنا يسوع المسيح من أجل إخراجه إلى النور من جديد، وإيقاظه حتى تتقد هذه الشرارة المدفونة بواسطة ممارسة وصاياه المقدّسة. لذلك باستطاعتنا الآن إما إطفاء هذه الشرارة من جديد ، وإما إشعالها حتى تتوقد وتنيرنا، إن وثقنا به وأطعناه. لأنه إن املى علينا ضميرنا شيئاً ما فازدريناه، وإن كلمنا من جديد ولم نفعل مايوصي به مثابرين على ازدرائه، ننتهي إلى طمره (أي اسكاته) ولا يعود بالتالي، يستطيع أن يكلّمنا بوضوح بسبب الثقل الملقى عليه، بل يصبح كسراج خفت نوره بسبب الأوساخ، فأخذ يظهر الأشياء أكثر غموضاً وأشد ظلاماً. وكما في ماء عكر لا يستطيع أحد أن يتعرّف إلى وجهه، هكذا نتوصل، شيئاً فشيئاً، إلى عدم التقاط صوت ضميرنا، إلى حدّ الاعتقاد ، تقريباً، بعدم وجوده. بينما لم يُحرم أحد منه كما قلنا، كونه شيئاً إلهياً لا يموت أبداً. هو يذكرنا دوماً بالواجب، ولكننا لم نعد نتحسسه، وذلك بسبب ازدرائنا إياه ودوسه بالأقدام. الحفاظ على الضمير يأخذ أشكالاً مختلفة. يجب المحافظة عليه بالنسبة إلى الله ، إلى القريب ، وإلى الأشياء المادية.
بالنسبة إلى الله أولاً: بتعهدنا عدم ازدراء وصاياه حتى في الأمور التي تغيب عن أنظار الناس، ولا يحسبون لها أي حساب. إن الذي يحافظ على ضميره من أجل الله في الخفية، يسعى إلى أن لا يهمل الصلاة، وأن لا يفقد نباهته عندما ينشأ في قلبه أي هوى يدفعه إلى الانصياع. كما يتجنّب الشك بالقريب، والحكم عليه من خلال الظواهر، وذلك عندما يراه يفعل شيئاً أو يقوله. بكلمة : كل شيء يحدث في الخفية ، ولا أحد يعلم به غير الله وضميرنا ، يجب أن يسترعي تنبّهنا. هذا هو الضمير بالنسبة إلى الله. بالنسبة إلى القريب : يكون الضمير في عدم الإتيان بأن شيء يمكن أن يحزنه أو يجرحه إن بالقول أو بالفعل، بالتصرف أو بالنظر. وذلك لأن هناك مواقف تجرح القريب إذ، كما أقول دائماً، يمكن لنظرة واحدة أن تجرحه. خلاصة القول: إن الإنسان يتأثر ضميرُه في كل مرّة يشعر فيها أنه يعمل بغية إقلاق القريب، لأنه يدرك نية الإساءة أو الإحزان. فلنحاول ألاّ نتصرف هكذا ، وعند ذلك نحفظ ضميرنا من جهة القريب . بالنسبة للأمور المادية: يكون حفظ الضمير في عدم استعمال هذه الأشياء استعمالاً سيّئاً، وفي الحرص على أيّ شيء، لئلا يضيع أو يتبعثر، بحيث يتم الإسراع في تناول هذه الأشياء وإعادتها إلى مكانها مهما كانت حقيرة . وينبغي في حفظ الضمير أيضاً، ألاّ نسيء استعمال اللباس، يمكن للمرء مثلاً أن يرتدي لباسه، لمدة أسبوع أو أسبوعين قبل أن يغسله. و مع ذلك فهو يسرع ، قبل الأوان، إلى غسله وعصره ويجعله هكذا غير صالح للاستعمال ، بينما كان يمكنه أن يستفيد منه لخمسة أشهر أخرى أو أكثر. هكذا يكون الإنسان قد تصرف ضد ضميره. الأمر كذلك بالنسبة للسرير. نجدنا غالباً نرغب في التمتع بفراش كبير في حين يمكننا الاكتفاء بوسادة بسيطة. لدينا غطاء من شعر ونبتغي استبداله بآخر أكثر جدّة وأجمل ، وذلك بداعي الطيش أو القرف. يمكننا الاكتفاء برداء مصنوع من قطع مختلفة، ولكننا نطلب ثوباً صوفياً ثم نأسف لعدم حصولنا عليه. وإذا بنا نتطلع إلى أخينا ونقول: " لماذا هو يملك هذا وأنا لا أملكه ؟ ، إنه لسعيد حقاً " . أو أننا نبسط رداءنا أو غطاءنا في العراء تحت الشمس، ونهمل استعادته ونتلفه. هكذا يكون أيضاً التصرّف ضدّ الضمير. والأمر كذلك بالنسبة للأطعمة: يمكننا الاكتفاء بقليل من الخضار الطازجة أو المجففة أو بقليل من الزيتون، ومع ذلك نفتش عن طعام أشهى وأكثر كلفة. كل هذا ضد الضمير. هذا ، ويقول الآباء: إنه يجب على الراهب أن لا يدع ضميره يوبّخه على أي شيء. لذلك وجب علينا، أيها الأخوة ، أن نبقى دائماً منتبهين بعيدين عن هذه الأخطاء حتى لا نعرّض أنفسنا للخطر. لقد نبهنا السيّد نفسه كما ذكرنا سابقاً .
ليعطنا الله قوّة الإصغاء إلى هذه الأمور وحفظها حتى لا تصبح أقوال الآباء دينونة لنا.مِن كتاب التعاليم الروحية للقديس دورثاوس غزّة
| |
|