ذات يوم قام بزيارة الشيخ باييسيوس الآثوسي المغبوط ساحر شاب من التيبت، ٱسمه جورج، وروى له أشياء كثيرة عن حياته.
كان قد ولد من أبوين يونانيين في السّويد. ولما بلغ الثالثة من عمره تقريبًا ذهب به أبوه إلى التيبت وسلّمه إلى مجموعة من السَّحَرة تتألّف من ثلاثين ساحرًا كي يربّوه على مهنتهم.
لما بلغ الفتى السّادسة عشر من عمره كان قد وصل إلى الدرجة ما قبل الأخيرة في السّحر، وهي الدرجة الحادية عشر، وفي الوقت ذاته تقدّم كثيرًا أيضًا في اليوغا. كان باستطاعته أن يستدعي أيّ شيطان يريد. وقد حصل على الحزام الأسود في الكاراتيه لبراعته. وبمساعدة الشيطان كان يقوم بأمور تستجلب إعجاب النّاس، منها قراءة الكتب وهي مغلقة، وإذا ما ضرب صخرة كبيرة بيده يُفتتها كالجوزة.
رحل من التيبت، وهو في هذا العمر، وذهب إلى السّويد ليرى والده. هناك قابل على سبيل المصادفة كاهنًا أرثوذكسيًا تقيًا فطلب منه أن يتحدّثا قليلاً لأنّه لم يكن قد شاهد من قبل إكليريكيًا من كنيستنا.
وفي القاعة الّتي كانا جالسَين فيها، أراد الشاب أن يُظهر قدراته، فقام ببعض الحركات السِّحْرية: ٱستدعى أحد رؤساء الشياطين، مينا، وقال له: أريد ماءً! للحال ٱرتفع كأس ماء في الهواء من المطبخ وذهب وحده إلى الصّنبور، الّذي ٱنفتح من تلقاء ذاته وملأ الكأس، ثم عبر من الزجاج المغلق وجاء فوقف بين يدي السّاحر. ثم إذ كانا في القاعة قام بإظهار الكون كلّه، السّماء والنّجوم للكاهن، مستعملاً سِحْرَ الدرجة الرّابعة. تخيّلوا ماذا كان بوسعه أن يفعل لو ٱستمرّ إلى الدرجة الحادية عشر! ثم سأل السَّاحرُ الكاهنَ قائلاً: "كيف ترّون هذه الأمور كلّها؟"، صَمَت الكاهن! عندها سأله الشاب: "لماذا لا تعمل أنت أيضًا أشياء عجيبة؟". أجابه الكاهن بهدوء: "لأنّ إلهي متواضع". ثم أخرج صليبًا، وقال له: "خذ هذا"، وأعطاه الصّليب. فأخذه الشاب بيده. عندها قال الكاهن له: "إعمل الآن عجائب"!
ٱستدعى السّاحرُ الشاب مينا ثانية. ولكنّ الشيطان لم يكن ليجسر على الاقتراب. وعندها ٱستدعى السّاحر إبليس عينه فلم يأت ولا هو أيضًا... كان يرتعد لرؤيته الصّليب. فقط تردد صوته من بعيد يقول للسّاحر: "ٱنهض وٱرحل! ٱنهض وٱرحل إلى التيبت".
على الأثر تحركت نفس السّاحر الشاب. لقد أدرك، للمرة الأولى، صغر الشيطان أمام عظمة الإله الحقيقيّ. وقام الكاهن الطيّب بتعليمه بعض أمور الإيمان وحكى له عن الأماكن المقدسة الّتي منها جبل آثوس.
غادر الشاب السّويد إلى أورشليم حيث شاهد الظهور العجائبي للنّور المقدّس. ولاحقًا أتى إلى الجبل المقدس حيث قابل الشيخ باييسيوس. طرح الشاب على الشيخ سؤالاً عن القوى الّتي يملكها. فأجابه الشيخ بأنّ القوى كلّها هي من الله. في هذه اللحظة، ثبّت السّاحر نظره على صخرة بعيدة، وفي ثوان تفتّت. عندها رسم الشيخ إشارة الصّليب على حجر وسأل السَّاحر أن يُفتّت ذاك الحجر. راح السّاحر يثبّت نظره ويعمل جاهدًا على تفتيت الحجر ولكن دون جدوى. فبدأ يرتجف لأنّ القوى الشيطانية المسيطرة عليه لم تستطع إتمام المهمّة، بل ارتدّت عليه ورمته بعيدًا فأسرع الشيخ وأنقذه وهو في أسوء حال.
مرة أخرى قام السّاحر الشاب وأمسك بيدي الشيخ ولفّهما إلى خلف وسأل الشيخ إن كان يستطيع أن يحرّر نفسه، فحرّك الشيخ يديه. عندها قام السّاحر بردّة فعل فقفز عاليًا محاولاً أن يركله برجله الّتي توقّفت جامدة أمام وجه الشيخ وكأنّها ٱصطدمت بحاجز غير منظور!
في المساء نام الشاب في قلاية الشيخ، وفي الليل جرّرته الأرواح الشريرة خارجًا وأشبعته ضربًا. تركته مجرّحًا معفّرًا بالتراب لأنّه ٱعترف بأنّه لم يستطع أن يهزم الشيخ.
بعدها ٱقتنع الشاب بأن يُحضر كتب السّحر ويُحرقها وأبقاه الشيخ عنده أيّامًا وبعد أن أسبغ عليه الكثير من النعمة والقوة، رغب الشاب في أن يصبح راهبًا!
ذكر الشيخ باييسيوس هذه الحادثة ليؤكّد أنّ هناك ٱختلافًا كبيرًا بين الديانات، وأنّ الرّهبان البوذيّين ليسوا كالرّهبان المسيحيين الأرثوذكس.
وقصة أخرى رواها الشيخ باييسيوس الآثوسي عن قوة الصّليب: كان يعرف الشيخ ٱمرأة مسيحية مؤمنة وكانت هذه تعيسة لأنّ زوجها ٱنخرط مع السّحرة. وبما أنّه لم يكن يرغب في أن يرتدي صليبًا، فلكي تساعده قامت بخياطة صليب صغير في ياقة قميصه بشكل خفي.
وذات يوم كان زوجها مضطرًا لعبور أحد الأنهار. فلما وجد نفسه فوق الماء، سمع صوتًا يقول له: يا تاسوس! يا تاسوس! ٱخلع قميصك لكي نعبر الجسر سوية!
ولكن، بنعمة الله، كان الطقس شتاء، لهذا أجابه تاسوس:
- كيف أخلعه؟ إنني أشعر بالبرد!
- ٱخلعه، ٱخلعه كي نعبر سوية، تردّد الصوت ثانية!
كان ذاك هو الشيطان، أراد أن يُلقي بتاسوس في النّهر. لكنه لم يقدر لأنّه كان يرتدي صليبًا. في نهاية الأمر ٱستطاع أن يُلقي به في إحدى جنَبات الضفة بجانب الجسر. وقد عثر أقاربه عليه هناك مرميًا على الأرض، بعدما فتّشوا عليه الليل كلّه. لو كان قد خلع قميصه لكان الشيطان رماه في النهر. لقد حفِظَه الصّليبُ الّذي كان مخفيًا في ياقة القميص.
المرجعان:
الأب اسحق الآثوسي (2006)، حياة الشيخ باييسيوس الآثوسي، آثوس، منشورات الجبل المقدس
الأب يوحنّا بدّور (2009)، الشياطين وأعمالها، بانياس، مكتبة البشارة