تؤلّف الظّهورات في الكتاب المقدّس ، وسيلة من وسائل التّعبير عن وحي الله ، بواسطتها تصبح الكائنات غير المنظورة حاضرة بشكل منظور . في العهد القديم ، يظهر الله بشخصه (تجلّي الله) ، فيعلن مجده ، أو يحضر بواسطة ملاكه .
وتتّصل بهذه الظّهورات، على مستوى أصغر ، ظهورات الملائكة أو الحلام . ويذكر العهد الجديد ظهورات ملاك الرّبّ أو الملائكة ، بمناسبة ميلاد يسوع ( منى1/20، لوقا1/11 و26 ، 2/11) ، أو بمناسبة قيامته (متى 28/2 ، مرقس 16/5 ، لوقا 24/4 ، يوحنا 20/12) . ليبيّن أنّ السّماء في هذه اللّحظات الكبرى من حياة يسوع حاضرة على الأرض ، وبذلك يكمل العهد الجديد العهد القديم فيفوقه بشكل قاطع لعدم ذكره أيّة ظهورات الله ، حيث لا يمكننا أن نصف بهذا الإسم تجلّي المسيح ، ولا حتّى سيره على المياه ،ولو أننا نستشف من ذلك كيان يسوع السّرّيّ.
ولا غرو فإنّ تعبير يوحنا بقوله : ما من أحد رأى الله ، ألإبن الواحد الّذي في حضن الآب هو الّذي أخبر عنه . وكيف أخبر عنه ، بوجوده فحسب : " من رآني رأى الآب " . فإنّ الله ظهر في المسيح . ( معجم اللّاهوت الكتابي ص.509 (ظهورات المسيح).
إذاً ،الظّهور الإلهيّ هو تعبير عن وحي الله ، وهذا الظّهور الإلهيّ تجلّى لنا بيسوع المسيح ، فرأيناه ولمسناه . ألله دخل تاريخ البشر وجدّد الخلق ، وأعاد ترميم الصّورة الإنسانيّة الّتي هي على صورة الله الحبّ .
وإذا تحدّثنا عن ظهورات المسيح ، ما بعد القيامة ، بدءاً من الظّهور للنّسوة والتّلاميذ ، إلى بولس الرّسول ... نرى أنّ هذا الظّهور لا يقارن أبداً بما نسمّيه نحن " ظهور" ، سواء أكان للمسيح ، للعذراء مريم أم للقدّيسين . ويجب أن نتخلّى عن فكرة أنّ الله يتكلّم معنا من خلال أشخاص معيّنين ، فالله يتكلّم من خلال أي إنسان ، كما من خلال الطبيعة ، كما من خلال أحداث حياتنا . (في الأيام الأخيرة أفيض من روحي على جميع البشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاماً. وعلى عبـيدي، رجالاً ونساء، أفيض من روحي في تلك الأيام فيتنبأون كلهم. (أع 2/ 17.18) . إذا ألله يتكلّم من خلال الجميع ، إلّا أنّ هذا الكلام يخرج من أفواه المتّحدين به اتّحاداً وثيقاً ، لأنّهم يصغون للكلمة الإلهيّة ، ويعلنونها ببساطة .
كما أنّه يحب أن نتخلّى عن فكرة أنّ الله يرسل لنا رسائل سماويّة إضافيّة ، فوكأنّنا نقول أنّه نسي أمراً هامّاً ، ثم يعود ليذكّرنا به .
ألله قال كلمته بيسوع المسيح وانتهينا ، وكلمته الحيّة هي كتابنا المقدّس . من أراد أن يسمع كلام الله ، فليفتح الكتاب المقدّس ، هناك فقط يسمع ويصغي إلى الكلمة . ألله يخاطبنا ويحاورنا في الكتاب المقدّس . ولا داعي لأن نهرع متى سمعنا بظهور هنا وهناك ، لنسمع كلمة من الله . فما هو الجديد الّذي سيقوله ؟ .
علينا أن نؤمن بوعي ، وليس اعتباطيّاً . ألإيمان هو الحقيقة الّتي أصدّقها بعقلي وأسمح لها أن تتسرّب إلى قلبي . وليس الإيمان أن أصدّق كلّ ما يقال لي ، وليس أن أشعر بالذّنب إذا رفضت التّصديق .
بالعودة إلى ظهورات المسيح بعد القيامة ، ونختار الظّهور لبولس الرّسول ، فنرى أنّ هذا الظّهور ، لم يكن لإضافة كلمات وتوصيات نسيها الرب يسوع ، إنّما كان زلزالاً لحياة "شاول" ، كي يحوّلها الرّب من موت إلى حياة . وإن تحوّل "شاول " إلى " بولس رسول الأمم " ، ذلك لأنّه انفتح على كلمة الله ، وقبل يسوع المسيح . ويشدّد بولس على التّبشير ، " الويل لي ، إن لم أبشّر " . هذا يعني كلّ واحد منّا ، فكيف أبشّر إن لم يتكلّم الله من خلالي ؟ .
من خلال إيماننا الواعي والصّلب ، نميّز بين ما هو ظهور وبين ما هو خدعة . ألظّهور ، يبدّل ، يخلق من جديد ، ولا يقتصر على نور في مكان ما ، أو على تمثال يدور حول نفسه ، أو .... أو ... ماذا أستفيد إيمانيّاً إذا دار تمثال للسّيّدة العذراء ، أو تحرّكت عيونه ؟؟ لا شيء . وماذا أستفيد ، إذا رأيت زيتاً واعتبرته مقدّساً لمجرّد أنّه يقطر من صورة ؟ لا شيء.
وهل المسيحيّة ، تمثالاً وصوراً أم هي صنماً ؟؟؟ ألمسيحيّة فكر حيّ ، محوره شخص حيّ : يسوع المسيح . وليست المسيحية تماثيل وأصناماً .
والظّهور الّذي علينا ان نهرع إليه ، هو جسد الرّبّ ، الّذي نتحد به . لو كنّا ندرك حقيقة هذا الظّهور ، لخرّينا ساجدين طوال الاحتفال بالذبيحة الإلهيّة . نحن نصبح والمسيح شخصاً واحداً ! أونهرع بعدُ لمعاينة تمثالٍ يتحرّك؟؟ .
لن يضيف أي "ظهور " على حدّ قولنا ، أي إضافة للمسيحيّة كفكر وكمنهج حياة . وأعطي مثلاً بسيطاً على ذلك : إن أتانا أحدهم يقول لنا ، أنّ العذراء مريم ، أو أحد القدّيسين ظهروا في مكان ما ويطلبون من النّاس أن يتوبوا . وما العجب في ذلك ؟ فهذا الكلام حاضر بقوّة في الإنجيل المقدّس ، إلّا إذا كنّا نعتبر كتابنا المقدّس ، فكراً مرحليّاً ، أو قصصاً تروى في سبيل التّسلية . كلام الكتاب المقدّس ليس حروفاً جامدة منذ آلاف السّنين ، إنّه كلمة حيّة ، موجّهة إلينا كلّ يوم وفي كلّ لحظة . ( أمسيح هو الأمس واليوم وغداً وإلى الأبد).
والأخطر أن نصدّق اشياء نرسّخها في إيماننا دون أي وعي أو إدراك . فعلى سبيل المثال ، يُطلب منّا توحيد عيد القيامة بين الطّوائف المسيحيّة ، لأنّ المسيح يطلب ذلك . ألا نعي حقيقة أنّه في القدّاس ، نحيي ميلاد وحياة وموت وقيامة يسوع المسيح ؟ نحن في كلّ مرّة نحضر القدّاس ، نعيّد القيامة . وليس عيد القيامة في تاريخ محدّد . وإن حدّدت الكنيسة تاريخاً معيّناً ، فلجعل حياتنا مسيرة مستمرة مع يسوع المسيح ولتنظّم حياتنا الإيمانيّة . كلّما أخطأت يموت المسيح عني ، وكلّما تبت أعلن المسيح قام .
ألإيمان هو العلاقة الحميمية مع الله بيسوع المسيح ، هو أن نرتبط به ارتباطاً وثيقاً ، وأن نعمي أبصارنا عن أيّ سطحيّات وأي انبهارات . أن نصمّ آذاننا عن الثّرثرات من هنا وهناك ، وأن نغرق حبّاً في كتابنا المقدّس ، ولا نقرأ الحدث وحسب ، إنّم ندخل فيه ونجلس مع المسيح ونلمسه ، ونتحاور معه . وعلينا أن نثق بكنيستنا ، ونكفّ عن النّقد الّذي لا ينتهي . علينا أن نثق بكنيستنا بشكل مطلق ولا أبالغ، فالكنيسة ليست قائمة على البشر ، بل يقودها الرّوح القدس . رأسها يسوع المسيح ، وهو الّذي يقدّسها . وهي الضّمانة الوحيدة للحفاظ على إيماننا بالمسيح .
"فلو بشرناكم نحن أو بشركم ملاك من السماء ببشارة غير التي بشرناكم بها، فليكن ملعونا.
قلنا لكم قبلا وأقول الآن: إذا بشركم أحد ببشارة غير التي قبلتموها منا، فاللعنة عليه. " غلاطية 1/8.9.