جبل آثوس
بعض الأضواء على تاريخ الجبل وعلى الحياة فيه وعلى عدد رهبانه
الأب د. يوحنا اللاطي
=======================================
جغرافيا
يقع جبل آثوس إلى الشرق من سالونيقيا وهو الجزيرة الثالثة الأبعد إلى الشرق في خالقيذيكيا. إنه المكان اليوناني الوحيد المكرس بالكلية للصلاة وعبادة الله لذلك يسمى أيضاً الجبل المقدس. يبلغ طول جزيرة آثوس حوالي 50 كم وعرضه حوالي 10 كم. جزيرة آثوس عبارة عن كتلة صخرية مغطاة بالغابات تشرف عليها قمة آثوس من الجنوب بارتفاع 2033 م. القمة عارية في قسمها الأعلى تعطي الانطباع بسبب شكلها المخروطي الهائل أنها تطال السماء. فوق، كنيسةُ التجلي تزيِّن قمَّةَ الله. منحدرات قمة آثوس مغطاة بخضرة هائلة. كل هذا يعطي للناظر لوحة طبيعية فريدة من نوعها. ثمة من شبه الجزيرة بمارد مستلق على البحر وثمة من شبَّه قمة آثوس بثدي سماوي (الرسم المجاور من القرن 18)...
إدارة
الجبل المقدس يشكل دولة مستقلة في اليونان. تشرف عليه إدارياً وزارة الشؤون الخارجية اليونانية وكنسياً بطريرك قسطنطينيا المسكوني. يتألف من عشرين مقاطعة مستقلة. كل مقاطعة تتألف من دير أساسي وبعض المؤسسات الرهبانية التي تحيط به كالاسقيطات والمناسك والقلالي. الأديرة شركوية بمعنى أن الرهبان يعيشون ويصلون ويأكلون ويعملون معاً. رئيس الدير الذي ينتخبه الرهبان يبقى إلى أن يموت ويتولى مسؤولية الدير. رؤساء الأديار أعضاء في المجمع المقدس الذي بيده السلطة التشريعية. ممثلو الأديرة يتغيرون سنوياً لدى الجماعة المقدسة التي بيدها السلطة الإدارية. الإشراف المقدس بيده السلطة التنفيذية وهو عبارة عن أربعة أعضاء ينتخبون من أديرة خمسة سابقة تراتبياً.
تاريخ
حسب أسطورة، آثوس هو إسم عملاقٍ من طراقيا. خلال صراع بين الآلهة والعمالقة رمى آثوس صخرة كبيرة في وجه بوزيدون إله المياه. المكان الذي سقطت فيه الصخرة في المياه دعي باسم جبل آثوس. يذكر هوميروس آثوس في الألياذة. هيرودوتوس يذكر أسماء مدن قديمة في منطقة آثوس. لا بد من أن هذه المدن كانت في مواقع الأديرة الحالية. في عهد الرومان أغلب هذه المدن دمر. بعض بقي.
حسب التقليد الكنسي عندما وصلت العذراء آثوس مع يوحنا الإنجيلي وهي في طريقها إلى قبرص لزيارة الأسقف لعازر، الذي أقامه الرب من الموت، بسبب عاصفة قوية، أحبت المكان جداً وطلبته من الله. كان جواب الله: "ليكن هذا المكان هدية لك وحديقتَك وجَنَّتَك وخلاصاً وسماء للذين يبتغون الخلاص". منذئذ وآثوس يسمى "حديقة العذراء مريم" حديقة لن تتركها أبداً حسب قولها. العذراء بالتالي هي شفيعة الجبل. وكل دير له أيقونة والدة الإله خاصة به. كانت هناك معابد وثنية وعابدو أوثان تعلموا الإيمان على يدها وتعمدوا. لغاية القرن الثالث كانت هناك حضارة مسيحية في آثوس. لأسباب مجهولة إختفت هذه الحضارة وتصحر المكان لقرون عديدة ما خلا بعض المناسك والنساك الذي ابتدأوا بالتوافد لعبادة الله من القرن الخامس كانوا يتبعون في حياتهم آباء مصر وفلسطين. نعرف أن رهباناً كانوا في آثوس خلال حرب الأيقونات في القرن الثامن وأن رهباناً آثوسيين شاركوا في مجمع قسطنطينيا العام 843. في نهاية القرن التاسع، قبل أثناسيوس الآثوسي مؤسس أول دير في آثوس، نسك بطرس الآثوسي (12 حزيران) وأفثيميوس التسالونيقي. في هذه الفترة كانت الحياة عموماً في آثوس صعبة. الرهبان يعيشون في مناسك يأكلون ثمر الشجر ويعانون من غزوات اللصوص. قدوم القديس أثناسيوس إلى آثوس -راهب قسطنطيناوي يقال إن العذراء نفسها قادته إلى الجبل المقدس- كان مرحلة مفصلية في حياة الجبل. العام 963 تم تأسيس دير اللافرا الكبير الشركوي على يد اثناسيوس الآثوسي (5 تموز).
تألق وانحطاط
1169: بني الروسيكون أو الدير الروسي. 1198: بني الدير الصربي خيلانداري. تميز القرنان الأولان بروحانية عالية وبهمة عالية في البناء وبخيرات مادية كثيرة: أراض وتبرعات... تلا ذلك إنحطاط روحي وفي القرن 13 غزا الصليبيون آثوس. في القرن 14 عاش الجبل غزوات عدة للمجموعات التجارية الكتلانية. في بداية القرن 14، من أصل 300 دير لم يبق سوى 35 ديراً. لكن في منتصف القرن دعمت صربيا الجبل وأعيد بناء الأديرة والكنائس... في نفس الآن، بدأت مرحلة نهضة آثوسية: الهدوئية المرتكزة على "صوفية النور غير المخلوق" وصلاة يسوع. تأسست الهدوئية لاهوتياً على كتابات غريغوريوس بالاماس الذي كان نفسه راهباً في جبل آثوس قبل أن يصير أسقف سالونيقيا العام 1347 التي ميزت بين جوهر الله غير المدرك وغير المشارك فيه والقوى الإلهية التي بها يظهر الله لخليقته والتي يمكن أن يشارك بها الإنسان ويختبر الله. تلا ذلك مرحلة انحطاط من القرن 15 مع ظهور نمط الحياة الحر –ليس من قانون وحياة مشتركة، الملكية الشخصية مسموح بها، كل راهب يحيا حسب إلهامه الخاص- ومن جهة أخرى خضوع آثوس للأتراك العام 1430 قبل سقوط قسطنطينيا بقليل ونهاية الأمبراطورية البيزنطية العام 1454. مع أن الأتراك سمحوا بالوجود الرهباني في آثوس فإنهم فرضوا ضرائب هائلة وقيوداً على الرهبان. بقي آثوس تحت الاحتلال العثماني حتى نهاية حرب البلقان الأولى العام 1913 عندما خضعت سالونيقيا وشمال اليونان الحالية للهيمنة اليونانية. 1542: تأسيس الدير العشرين ستافرونيقيتا. في هذه الفترة كان قد ساد بشكل فادح نمط الحياة الرهبانية الكيفية ترافق مع خضوع المسيحيين الشرقيين للحكام المسلمين. نوم روحي كبير في آثوس. نهاية القرن 18 شهدت صحوة روحية وعودة الحياة المشتركة ونهضة فيلوكالية. عام 1872، بعد نشر كتاب الفيلوكاليا وهي عبارة عن كتابات لآباء النسك من القرن 4 إلى القرن 14، تصارع تياران: تيار يميل لما هو عملي على حسب الممارسة الليتورجية وتيار محافظ لفكر وممارسات الرهبان الأوائل. توقفت هذه الصحوة بعد غزو العثمانيين آثوس العام 1822 خلال حرب الاستقلال اليوناني. العام 1833 إنخفض عدد الرهبان إلى 2500 راهب. بعد ذلك إرتفع عدد الرهبان بشكل كبير بفضل قدوم الرهبان الروس إلى آثوس. عام 1912، أكثر من نصف ثمانية آلاف الراهب الموجودين في آثوس كانوا روساً. خلال النصف الأول من القرن العشرين حصلت مخاضات عديدة. عبادة الإسم: قسم من رهبان دير القديس بندلايمون الروسي تبنوا العام 1909 هذه النظرية: إسم الله هو الله نفسه. إعتبرت هذه النظرية أصنامية. 1913: حكومة القيصر جلبت 621 راهباً عبديي الإسم بالقوة من آثوس ووزعتهم في الأرض الروسية ثم 200 راهباً بعد ذلك بأشهر. هذا الحل العسكري وضع حداً للمشكلة في آثوس لكنها انتشرت في روسيا. إنتهت المجادلة كلياً العام 1931 بعد تدخل عسكري مأساوي قامت به الحكومة الشيوعية. الروزنامة الليتورجية: لما تنته. 1923: كنائس قسطنطينيا واليونان وقبرص ورومانيا العام 1924 تبنت التقويم الغريغوري (المدني) فيما يخص الأعياد الثابتة دون الفصح والدورة الفصحية. ناهض "الغيورون" الآثوسيون ذلك واعتبروا أن ذلك غير قانوني لأن المسألة يجب أن تقرر في مجمع مسكوني وأعلنوا قطع العلاقة الروحية مع من يتبع التقويم الغريغوري. دير فاتوبيذي تبع التقويم الجديد فقط. سوء علاقة مع قسطنطينيا. الآثوسيون غير راضين عن الحوار المسكوني الذي تقوم به الكنائس الأرثوذكسية. 1965: الأديرة توقفت عن رفع رئاسة البطريرك المسكوني –قطع شركة- بعد رفع الحرمات التي قام بها البطريرك أثيناغوراس والبابا بولس السادس. عادت الأديرة عن قرارها وعادت ترفع رئاسة البطريرك المسكوني دون أن تغير موقفها ضد الحوار المسكوني. قام آثوس عدة مرات بانتقاد القرارات التي تتخذها الكنائس الأرثوذكسية بعد الحوار مع الكنائس الأخرى. مثلاً رسالة 8 أيلول 1993 إلى البطريرك برثلماوس ضد اتفاق البلمند بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية. رسالة 24 أيار 1999 إلى البطريرك برثلماوس بخصوص العلاقات مع الكنيسة الكاثوليكية. وثيقة 1 شباط 1994 ضد الاتفاق المبدئي بين خلقيدونيين ولاخلقيدونيين لإعادة الشركة بين هاتين العائلتين. دير إسفيغمينو يقود الحملة ضد التقويم الجديد وضد المسكونية. العام 1972، رفع رهبان إسفيغمينو الأعلام السود إحتجاجاً على خدمة صلاة مشتركة قام بها بطريرك قسطنطينيا وبابا روما. تعرض إسفيغمينو لضغط كبير ومحاصرة عسكرية وأعلن منشقاً وضغط على الرهبان ليتركوا الدير لكنه يبقى الدير الأكبر بعدد رهبانه: 120. في النصف الأول من القرن العشرين لمع سلوان الآثوسي في دير بندلايمون الروسي رغم كل شيء. بسبب كل ما حصل في القرن العشرين -الحرب العالمية الأولى. الثورة البولشفية. ليس من مبتدئين روس وليس من عطايا. الإيديولوجيات. الضغط الاقتصادي والحرب العالمية الثانية وحرب اليونان الأهلية (1947-1949). المادية بعد 1945 ضد الروحانية- فرغت الأديرة والقلالي من الرهبان. 1963: في عيد اللافرا الكبير الألفي حصل خوف من اندثار الرهبنة من على الجبل. القدماء يموتون. الأديرة فارغة. كأنه عيد دفن الرهبنة.
أعجوبة: العذراء قالت إنها لا تترك حديقتها. بعض الأديرة كدير ديونيسيو ينهض. صار عدد الرهبان يزداد من السبعينيات ونسبة الشباب تزيد والعلم يزيد. شخصيات رهبانية مهمة. أديرة الشركة. تألق جديد. الأسباب عديدة: ردة ضد المادية في العالم وفي الكنيسة. أزمة الحياة الكنسية في اليونان. موت الأخويات الدينية اليونانية لا سيما أخوية زويي وانعدام تأثيرها على الشباب. التطور السريع للسياحة التي كانت مزعجة جداً للرهبان والأديرة. حضور شخصيات مهمة في آثوس كيوسف الهدوئي –تلامذته قادوا أديرة فيلوثيو وديونيسيو وكونستامونيتو وكسيروبوتامو وكاراكالو في الثمانينيات- والشيخ باييسيوس والأب صفروني –كتابه في سلوان الآثوسي حرَّك الرهبنة- وبرفيريوس كافسوكالفي وأفرام كاتوناكيا وأفرايم فيلوثيو وأميليانوس سيمونوس بتراس وباسيليوس ستافرونيقيتا ويوسف فاتوبيذي ويوسف كاتوناكيا تلبي الاحتياجات الروحية للشباب المعاصر. الأديرة الفارغة سهلت عملية الانتقال.
ثمة تنوع رهباني في آثوس. الرهبنة في آثوس شخصية. يستوعب آثوس كل تنوع في التأملات ووسائل ممارسة الحياة الرهبانية. التقويم قديم ما خلا في دير واحد. الساعة قديمة: 12 ساعة نهاراً و12 ليلاً دون اعتبار طول النهار الشمسي. آثوس مستقل عن قيم العالم. تنوع في الدعوات. تمايزات شخصية. الحرية في الروح القدس هي سمة أساسية لهذه الدولة الرهبانية ولحيويتها. ثمة من يلتزم بالخدم الليتورجية ثمة من يفضل الصمت وممارسة صلاة يسوع. في العقود الأخيرة توحدت كل هذه. إنتشرت صلاة يسوع والخدمة الإلهية ممارسة بشكل منتظم في معاقل هدوء آثوس.
عدد الأديرة
17 ديراً يونانياً. دير روسي، بندلايمون. دير صربي، خيلانداري. دير بلغاري، زوغرافو. ليس من دير روماني لكن الأمراء والشعب الروماني قدم الكثير للأديرة. هناك إسقيطات رومانية: إسقيط يوحنا المعمدان وإسقيط القديس ديمتريوس. كان هناك دير لاتيني في آثوس أسسه في نهاية القرن 10 رهبان إيطاليون أرثوذكسيون أمالفيون مقربون من القديس أثناسيوس مؤسس اللافرا الكبير. دام ثلاثة قرون فقط. لا تزال بقايا الدير موجودة وتعرف باسم مولفينو أو مورفينو بين اللافرا الكبير وكاراكالو. ثمة 10 أديرة من الجهة الشرقية للجزيرة و9 من الجهة الغربية. زوغرافو في داخل الجزيرة. عاصمة الجزيرة كارييس داخل الجزيرة أيضاً حيث هناك ممثلون للأديار لدى المجمع الذي يحكم الجبل. إدارة الجبل مستقلة رغم أنه في اليونان. في كارييس هناك مدرسة رهبانية وأوتيل ومحال يشرف عليها رهبان وعلمانيون. مرفأ الجبل هو دافني حيث يأتي الزوار في مركب من أورانوبوليس. مدينة شرق سالونيقيا -100كم.
عدد الرهبان
تغير العدد على مر العصور: 20000 في القرن 14. 8000 في بداية القرن 20. 4000 العام 1935. 1145 العام 1971. حصل نزوح كبير من الأديرة اليونانية في الثمانينيات طلباً للهدوء: إميليانوس الذي صار رئيس سيمونوس بتراس مع رهبانه نزحوا من الميتيورا إلى آثوس. هذا عامل حاسم زاد من عدد الرهبان في الفترة الأخيرة.
ممنوع دخول المرأة إلى آثوس. ودخول الرجال مقيد بقوانين صارمة ومدة الزيارة محدودة. يجب أن يقدم الزوار طلباً في مكتب الزيارات في سالونيقيا. 120 زائراً أرثوذكسياً و10 غير أرثوذكس باليوم.
آثوس منقطع لكن حاضر في العالم وزواره عديدون وشهادته لامعة في العالم اليوم. العطاء كبير والعمل في آثوس نشط. إنه يشبه اليوم ورشة أكثر منه مكان خلوة. الكهرباء اليوم في أديرة عديدة من آثوس. هناك طرق معبدة.
من انطاكيا على الأقل في القرن العشرين عاش في الجبل أو تأثر به ابونا اسحق عطالله الآثوسي وتلميذه سيدنا افرام بسكنتا وابونا بندلايمون حمطورة ورهبنة صفروني دوما... ناهيك عن عشرات الشباب التي تزور الجبل...
في آثوس يسبح الله باليونانية والسلافية والرومانية والبلغارية والعربية والروسية... على الأقل. لطيور آثوس معزوفات خلابة لا سيما عندما تتداخل مع أصوات النواقيس. المياه مع الشجر والصخور في آثوس سمفونية سماوية. آثوس في الحقيقة السماء على الأرض.
----------------------------------------------------