(2)
"مغفورة لك خطاياك ، قم واحمل فراشك وامشِ"
ورجَعَ يَسوعُ بَعدَ أيّامٍ إلى كَفْرَناحومَ، فسَمِعَ النّـاسُ أنَّهُ في البَيتِ.
فتجَمَّعَ مِنهُم عددٌ كبـيرٌ ملأَ المكانَ حتّى عِندَ البابِ، فوَعظَهُم بِكلامِ اللهِ.
وجاءَ إليهِ أربعةُ رِجالٍ يَحمِلونَ كسيحًا.
فلمَّا عَجِزوا عَن الوُصولِ بِه إليهِ لِكثرَةِ الزِّحامِ، نقَبُوا السَّقفَ وكشَفوا فوقَ المكانِ الّذي كانَ فيهِ يَسوعُ ودلُّوا الكسيحَ وهوَ على فراشِهِ.
فلمَّا رأى يَسوعُ إيمانَهُم قالَ للكسيحِ: ((يا اَبني، مَغفورَةٌ لكَ خَطاياكَ! ))
وكانَ بَينَ الحُضورِ بعضُ مُعَلِّمي الشَّريعةِ، فقالوا في أنفُسِهِم:
((كيفَ يتكَلَّمُ هذا الرَّجُلُ كلامًا كهذا؟ فهوَ يُجدِّفُ! مَنْ يَقدِرُ أن يَغفِرَ الخطايا إلاَّ اللهُ وَحدَهُ؟))
وعرَفَ يَسوعُ في سِرِّه أفكارَهُم، فقالَ لهُم: ((ما هذِهِ الأفكارُ في قلوبِكُم؟
أيُّما أسهَلُ: أنْ يُقالَ لِهذا الكسيحِ: مَغفورَةٌ لكَ خَطاياكَ، أمْ أنْ يُقالَ لَه: قُمْ واَحمِلْ فِراشَكَ واَمشِ؟
سأُريكُم أنَّ اَبنَ الإنسانِ لَه سُلطانِ على الأرضِ ليَغفِرَ الخَطايا)). وقالَ لِلكسيحِ:
((أقولُ لكَ: قُمْ واَحْمِلْ فِراشَكَ واَذهبْ إلى بَيتِكَ! ))
فقامَ الرَّجُلُ وحمَلَ فِراشَهُ في الحالِ وخرَجَ بِمَشْهدٍ مِنَ الحاضِرينَ. فتَعجَّبوا كُلُّهُم ومَجَّدوا اللهَ وقالوا: ((ما رأينا مِثلَ هذا في حَياتِنا! ))
مرقس 2/1.12
"مغقورة خطاياك " ، عبارة هزّت معلّمي الشّريعة . عبارة نطقها يسوع تحمل كلّ معاني الحبّ والخلاص . كما تحمل كلّ السّلام والأمان لذلك المخلّع . وأعتقد لا بل أؤمن أن ذاك المخلّع شعر بكلّ الأمان ، ما إن لفظ الرّبّ كلماته . نحن نختبر هذا الأمان في كرسي الإعتراف . عندما يلفظ الكاهن هذه العبارة ، نحس بجبال الهموم تنزاح عن أكتافنا . نحن بحاجة لسماعها لنطمئنّ . ويؤسفنا أن نسمع من البعض ، أسئلة ساذجة كالّتي نسمعها دائماً : من هو الكاهن لأعترف له ؟ أو أعترف منّي لله ... نحن بحاجة لسماعها بأذنينا ، فيتسرّب إلى قلوبنا كلّ الحنان الإلهيّ ، كلّ الرّحمة وكلّ المغفرة .
" مغفورة خطاياك " ، جعلت معلّمي الشّريعة ، يتّهمون يسوع بالتّجديف . فالله وحده يغفر الخطايا ، ولا أحد سواه . (ومن جدّف على اسم الرّبّ ، يقتل قتلاً. ترجمه كلّ الجماعة ، دخيلاً كان أم أصيلاً ) (اللاويين 24/16). ولكنّ يسوع صدمهم بتحدٍّ آخر : "أيّما أسهل ، أن يقال لهذا الكسيح : مغفورة خطاياك ، أم أن يقال له : قم واحمل فراشك وامشِ ؟. سأريكم أنّ ابن الإنسان له سلطان على الأرض ليغفر الخطايا ." وبسلطانه وكلمته قال للمخلّع : أقول لك : قم واحمل فراشك ، واذهب إلى بيتك ." (أنا أقول لك ) ، كلمة القدرة والسّلطان . إنّها مشيئتي أن تقم وتمشي . فكما غفر له خطاياه بالسّلطان المعطى له ، كذا يشفي جسده بكلمة واحدة : ليكن ... فكان .
تعجّب الجميع ، وذهل الكلّ من هذه الآية . ليس لأنّ المخلّع قام ومشى وحسب ، بل لأنّ الآية أتت بموافقة من الله . (سأريكم أنّ ابن الإنسان له سلطان على الأرض لمغفرة الخطايا ) . قيام المخلّع ، أكّد غفران الخطايا . ألله موافق على كلّ كلمة يقولها يسوع ، ويعضد كلّ عمل له . ليس لليهود أن ينبهروا من معجزات الله . فمسيرتهم مع الله مليئة بالآيات . ما لم يروه في حياتهم هو سلطان يسوع الموافق عليه من الله . أيّ نبيّ تكلّم بسلطان ؟ أم أيّ رسول يحمل هذا السّلطان الّذي يحمله يسوع ؟ يسوع وحده يملك سلطان شفاء الأجساد والنّفوس .
يسوع طبيب الأجساد والنّفوس ، يبرهن أنّه بغفران خطايانا ، نولد من جديد ، نفساً وجسداً . نولد كما اختارنا من قبل إنشاء العالم ، قدّيسين بلا عيب . فلا نتردّدنَ من اللّجوء إلى كرسي الاعتراف ، ولنركع بتواضع أمام الكاهن المصغي بصمت لخطايانا . ولنقبل إرشاده ونحفظه في قلوبنا ، فهو إرشاد يسوع ، وصوته صوت يسوع .
أهّلنا يا ربّ ألّا نتردّد في اللّجوء إليك عبر الكاهن ، لننزع عنّا كلّ تشويه لصورتك ، فتعود لنا صورتنا البهيّة الّتي هي على صورتك . ولننحنِ بتواضع أمامه ، ولنقبّل يده لحظة يلفظ " مغفورة لك خطاياك " . فهو من يسمعنا صوتك ، لنشعر بكلّ الأمان والسّلام والطّمأنينة . أيّها الرّحوم المحبّ، الّذي يحبنا لدرجة العشق ، والّذي يليق لك كلّ الإكرام ، مع أبيك وروحك الحيّ القدّوس من الآن وكلّ أوان وإلى دهر الدّاهرين . أمين .