لَه هوَ أنْ يزيدَ، ولي أنا أنْ أنقُصَ.
مَنْ جاءَ مِنْ فوقُ، فهوَ فوقَ النّـاسِ جميعًا. ومَنْ كانَ مِنَ الأرضِ، فهوَ أرضِيٌّ وبِكلامِ أهلِ الأرضِ يَتكَلَّمُ. مَنْ جاءَ مِنَ السَّماءِ، فهوَ فوقَ النّـاسِ جميعًا،
يَشهَدُ بِما رأى وسَمِعَ ولا أحَدَ يَقبَلُ شَهادَتَهُ.
مَنْ قَبِلَ شَهادَتَهُ شَهِدَ أنَّ اللهَ صادِقٌ.
فمَنْ أرسَلَهُ اللهُ يتكَلَّمُ بِكلامِ اللهِ، لأنَّ اللهَ يَهَبُ الرُّوحَ بِغيرِ حِسابٍ.
الآبُ يُحبُّ الاَبنَ فجَعلَ كُلَّ شيءٍ في يدِهِ.
مَنْ يُؤمِنُ بالابنِ، فَلهُ الحياةُ الأبديَّةُ. ومَنْ لا يُؤمنُ بِالابنِ، فلا يرى الحياةَ بل يَحِلُّ علَيهِ غَضَبُ اللهِ)).
يوحنا 3/30.36
هذه الكلمات الّتي قالها يوحنّا المعمدان ، نتعلّمها اليوم ونتعمّق لاستعابها من خلال الدّراسات اللّاهوتيّة ، ولكنّ "يوحنّا المعمدان" تعلّمها من الروح القدس. ومعناه أنّ مع المسيح بدأ عالم جديد وتطلّ معالم هذا العالم ، وهو العهد الجديد ، في شهادة "يوحنّا المعمدان"ونختصرها بخمس أفكار:
-ألمسيح المرسل من الله يحمل علماً يفوق علم الأرض ، وهذه دعوة لنا لألّا نكتفي بعلم الأرض . نحن بحاجة للعلم والتّعلّم ، ولكنّ نحن بحاجة بشكل أكبر وأهمّ إلى علم يسوع ، لأنّ من هو من الأرض فهو أرضيّ ، وأرضيّاً يتكلّم ، ومن أرسله الله فبكلام الله يتكلّم . ومن هو أرضيّ يتكلّم بلغة الغرائز والمصالح ، ما لا يبني أوطاناً ولا عائلات ولا مجتمعات سليمة .
-ألمسيح يشهد لما سمع ويشهد لما يرى عند الآب . هذا الآتي من عند الله ، يحمل حقائق لا أحد يعرفها ، ولا أيّ إنسان يستطيع أن يدّعي أنّه يعرف الله ، ولا يصل إليه إلّا بيسوع المسيح . وإذا استغنينا عن يسوع المسيح ، استغنينا عن كلّ شيء وعن الله وعن أنفسنا .
-قبول شهادة المسيح ، هي ثقة بالله ، وقالها يوحنّا : " من قبل شهادته ، شهد أنّ الله صادق " . وإذا لم نقبل شهادة يسوع وعلمه ودخلنا إلى معرفة هذا العلم ، فنحن لا نهتمّ بالله .
-ألمسيح هو النّاقل الدّائم لكلام الله من خلال الرّوح القدس ن فالله يفيض الرّوح القدس بغزارة ليستمرّ كلامه فب العالم . فالّوح يعمل فينا كي نكشف علم الله بيسوع المسيح .
-ألمسيح هو ميزان الخلاص ، " من يؤمن بالإبن يسوع المسيح ، له الحياة الأبديّة ومن لا يؤمن يستقرّ عليه غضب الله " . إمّا نخلص بيسوع وإمّا لا خلاص . " أنا الألف والياء ، أنا البداية والنّهاية " ، يقول الرّبّ في رؤيا يوحنا . لا نستطيع أن نعيش أو أن نصل إلى الله إلّا عبر يسوع المسيح . " أنا هو الطّريق والحق والحياة " ، وإن خرجنا عن طريق الرّبّ سنلقى الضّياع ، وإن اخترنا سواه حقيقة، سنضلّل ، وإن اخترنا حياة غير الّتي هي يسوع المسيح فسنموت .
هذه الشّهادة النّبويّة الّتي أعطاها "يوحنّا المعمدان" الممتلئ من الرّوح القدس . ولمّا رأى يسوع تكلّم الرّوح فيه ، وتكلّم سماويّاً .
حمل الرّبّ يسوع إلى العالم ، وهو المرسل من الآب ، علماً سماويّاً ، ألا وهو الوحي الإلهيّ . والوحي الإلهيّ نقل إلى العالم الحقيقة النّهائيّة الّتي أراد أن يكشفها الله للإنسان وهي حقيقة "الله الثّالوث" . واراد أيضاً أن يكشف حقيقة الإنسان للإنسان ، فتجسّد الله وكشف للإنسان حقيقته الكاملة . وكان يهمّ الله أن يبيّن حقيقة التّاريخ الّذي هو سيّده والّذي يبنيه بالتّعاون مع الإنسان .
إذاً حمل يسوع الوحي الإلهيّ ، علماً أنّ الله ، يقول بولس الرّسول ، أوحى قبل ملايين السّنين ، وبأنواع شتّى ذاته . ولكن من ألفي سنة ، أعطانا الحقيقة النّهائيّة والكاملة بالابن الوحيد ، الكلمة المتجسّدة ، الّتي تحمل كلّ العلم . ويقول الرّسول بولس : " في الأيّام الأخيرة ، كلّمنا الله بابنه الّذي هو ضياء مجده ". والآب يحبّ الابن وقد اعطاه كلّ شيء ، أيّ كلّ الوحي وهو بين ايدينا .
علم يسوع المسيح في الأناجيل ، كفيل أن يخرجنا من رؤيتنا للأمور بإطارها الأرضيّ ، ويسمح لنا برؤية سماويّة وببعد لاهوتيّ وخلقيّ وروحيّ ونهيويّ . هذا العلم الإلهي يقول لنا ، لِمَ علينا أن نؤمن ، وكيف نسلك طريق حياتنا للوصول إلى ملء قامة المسيح ، ويخبرنا إلى أين مصيرنا . وهذه الأسئلة مهمّة في حياتنا ، وبالتّالي الإيمان بيسوع المسيح ، يجيب عنها تلقائيّاً .
إمّا ان نقبل يسوع وإمّا نرفضه ، وبالتّالي ، إمّا أن نقبل الخلاص وإمّا لا . كلام الله هو الخلاص وهو كلام الحياة الأبديّة . فإمّا أن يقبله الإنسان ويشهد أنّ الله حقّ ويؤمن بالابن فينال الحياة الأبديّة ، وإمّا يرفضه فيصير إلى الهلاك .