شُكراً كَثيراً لِأَجلِ هَذِهِ الكَلِمات المُتَمَيِزَة الَتي نَسَجَ مِنها الروح مَعَ تِلمِيذَهُ الثَوري المُشتَعِل الأَب المُطران جورج خِضر.. كَم تَعَزَيتُ جِداً وَتَعَلَمتُ.
مَن يَستَطيغ أَن يَقود وَيَرعي وَسطَ كُلِ هَذِهِ الأَلام المُحيطَة وَلا يَخور إِلا المُؤَيَد مِنَ الرَب الروح.. الرَب يَسوع هوَ المِثال الأَعظَم.
كَلِمَة كُنتُ قَد قَرأتَها فَأَحبَبتَها، وَهُنا أَنقِلها عَن مَوقِع القِديس سِيرافيم، وَموضوعَها الراعي (القائِد) الصالِح:
الراعي (القائِد) الصالِح
من هو الذي يتخضّب بالدموع في مخدع الصلاة يومياً.. يسامر الفجر مجاهداً مع الرب ويرافق الغروب ظافراً في معركة التجربة ؟!
من هو الذي لا تهدأ أحشاؤه، ولا تنبسط أساريره، ولا ينشد لسانه إلا في محراب مخدعه.. حيث عمق الشركة مع إلهه ؟!
من هو الذي يتغلغل في أوصاله الحنين إلى النفوس، وتترنم نفسه دائماً بترنيمة الفداء.. يقتحم صروح البُطْلِ ويهدم بناء الفساد.. رافعاً راية الظفر.. مترنِّماً عند الأفق الروحي بالغلبة الدائمة ؟!
من هو الذي رفع أكفه علاءاً، وضجت في كوامنه قوة الله، وتمخّض كيانه بالرفعة والسموّ، وافترّ ثغره عن أمثولات الحكمة ترصع جيد حياته ؟!
من هو الذي عرف محبة الآب اختباراً، وسمّر النظر في المصلوب مثالاً، وإتخذ شخص الروح القدس قائداّ ومعلماً ؟!
من طوى سفر الفتور الروحي من تاريخ حياته، ودكّ قصور الكسل في بناء شخصيته، وبنى على أنقاضها صروح العمل المثمر والخدمة الجادة المجدية ؟!
من يختلج قلبه بأمثولة البذل والتفاني كيوحنا الصارخ في برية الحياة، ويلهج لسانه بشخصية الدهور والأجيال.. كوكب الصبح المنير.. الرب يسوع المسيح، ولا يجرؤ عدوُّ من خيمته اقترابا، ناشرا كلمة الله في نفسه ومن حوله.. يعمقها في قلبه، فيعيش حليف الانتصار تواصلا ؟!
من هو الذي يشعر بحضور الرب كل حياته، فينقش على لوحة مجتمعه آثار خطوات المخلص، ويفيح منه عبير مروج روحية، وأريج ورود سماوية، وعطر محبة وإيمان وقداسة ؟!
من هو الذي ينسكب سكيبا في خدمة سيده، ويعتبر حياته وقفاً له.. مرتمياً عند قدميه.. متعلماً دروس القداسة الحقة، فيشعل ثورة في مجتمعه، ويطلق جذوة الحرب الضروس في حضوره وغيابه ؟!
من هو المتمرد على النظم والدساتير المرذولة، التي تنبعث من سطورها رائحة الخطيئة والشر، وينشر في النفوس قوانين السماء، وعربون الحياة، ويفتح أمامها مصاريع النور والحق والحياة ؟!
من يمتزج دموعا،ً ويعترك تأوّهاً، ويتألم محتسّراً على مسيرة نفوس تذهب بعيدا ؟!
من يصلب الجسد ويميت الأهواء، ويكبح الشهوات، ويصعد في معارج الله وشعوبات القدسية راتعاً بحياة المجد ؟!
من هو الذي يضع إمكانياته ومواهبه.. علمية وثقافية وأدبية وروحية عند صليب الرب يسوع، ثم يقف في الثغر، ويرمم الجدار، ويصرخ بصدق التضحية "هاأنذا يا رب. أرسلني" ؟!
من هو الذي يخمد ثورة التفرقة، والبغض، والحسد، ويزرع بذار المحبة، والانسجام، والشركة الأخوية.. فيحرّك الانتعاش، ويلهب نار النهضة ويكون حجر زاوية لا عثرة نحو وحدة روحية قوية؟!
من هو الذي يبذل قواه روحيا وجسديا في خدمة من دعاه، فيرتعب الشيطان من مرآه، مدبراً في وجوده، منهاراً إذاء مقامه عند فاديه، فيقتحم مملكة العدو، وينتشل نفوساً غريقة في الآثام ؟!
من هو الذي كما لمواعيد الله تنطلق حياته، فتنتج ثماراً يانعة يقدمها على مذبح الصلاة، معتبرا قصد الله هدف حياته ووصيته رسالة والتزام ؟!
من هو الذي يدخل مدرسة الله وهيكل السماء ومن ثم يُخرج من باطنه جدداً وعتقاء يخوض غمار الآلام، ويغوص في بحر الاضطهادات، ويكابد مرارة العذاب على دروب العالم، ليغرس راية الإيمان على كل تل عال أو في وادي منبسط ؟!
من هو الذي يهدم شموخ الكبرياء الروحية، ويحطّم معاقل الذات والأنانية في حياته، ويرمم مذبح التواضع والمحبة الغيرية، ويهيم في عبقرية الكتاب، يتعلم جوهر الحق ومعاني الحياة، فهو يعكس حياته على مرآة الله فتصوّب أشعة قداسته عليها، فتُمحي سوادها، وتزيل غبارها ؟!
من هو الذي يعتبر شخصيته آلة خزفية، تتجسد عظمة الله فيها، وتتجسم قوته في حناياها. فتنطلق بعناد في الوجود، تحمل رسالة عليا وتشفق على النفوس العطشى، وتوقد سراج الإيمان في ظلماتها، ونبراس النصرة في قلبها ؟!
من هو الذي يتمخض في الخدمة، ليلد في سيل البكاء نفوساً، تزين تاجه في سماء المجد ؟!
أين أنت يانفسي ياكل نفس.. من نصرة الحياة ؟!
هكذا يكون فعلة الحصاد.. والتاريخ يمتليء في الماضي والحاضر بمثل هؤلاء.. لا تخطئهم العين.. وهم حقا من أناروا وينيروا العالم من ظلماته.. ايليا الناري ويوحنا الصارخ في البرية وبولس رسول الأمم وّأَثناسيوس وَذَهَبي الفَم وبيشوي كامل (كاهن الرب وخادم الحصاد) والكثيرين.
أَمِـــين.