ولمَّا وصَلَ يَسوعُ إلى نواحي قيْصَرِيَّةِ فيلبٌّسَ سألَ تلاميذَهُ: ((مَنْ هوَ اَبنُ الإنسانِ في رأيِ النَّاسِ؟))
فأجابوا: ((بعضُهُم يقولُ: يوحنَّا المَعْمدانُ، وبعضُهُم يقولُ: إيليَّا، وغيرُهُم يقولُ: إرميا أو أحَدُ الأنبـياءِ)).
فقالَ لهُم: ((ومَنْ أنا في رأيِكُم أنتُم؟))
فأجابَ سِمْعانُ بُطرُسُ: ((أنتَ المَسيحُ اَبنُ اللهِ الحيِّ)).
فقالَ لَه يَسوعُ: ((هَنيئًا لَكَ، يا سِمْعانُ بنَ يُونا! ما كشَفَ لكَ هذِهِ الحَقيقةَ أحدٌ مِنَ البشَرِ، بل أبـي الّذي في السَّماواتِ.
وأنا أقولُ لكَ: أنتَ صَخرٌ، وعلى هذا الصَّخرِ سأبني كَنيسَتي، وقوّاتُ الموتِ لنْ تَقوى علَيها.
وسأُعْطيَكَ مفاتيحَ مَلكوتِ السَّماواتِ، فما تَربُطُهُ في الأرضِ يكونُ مَربوطًا في السَّماءِ، وما تحُلُّهُ في الأرضِ يكونُ مَحلولاً في السَّماءِ)).
وأوصى يَسوعُ تلاميذَهُ أنْ لا يُخبِروا أحدًا بأنَّهُ المسيحُ
يسوع في قيصريّة فيلبّس ، وهي مدينة بناها "هيرودوس فيلبس " سنة (2 أو 3 ق.م) على إسم " أغسطس قيصر ، وهي بانياس الحاليّة قرب ينابيع الأردن . في هذه المدينة تعمّد يسوع أن يسأل تلاميذه : " من هو ابن الإنسان برأي النّاس؟ " . والجواب كان أنّه شخصيّة من الماضي قد تقمّصت ( يوحنا المعمدان ، إيليّا ، إرميا ، أو أحد الأنبياء ) . والتّقمّص معناه أنّ الإنسان يدخل التّاريخ مرّة أخرى ولكن بشخص آخر.
أعتقد أنّ يسوع استاء بعض الشّيء وبطريقة دبلوماسيّة سأل التّلاميذ " ومن أنا في رايكم أنتم " ؟ وهذا السّؤال يطرحه يسوع اليوم على كلّ واحد منّا .
سؤال صعب ، فكلّنا يمكننا أن نجيب : " أنت المسيح ابن الله الحيّ " ، ولكن هذا غير كافٍ .
ويجيب سمعان بطرس: "أنت المسيح ابن الله الحيّ" .
(أنت المسيح) ، أي أنّك أنت كلّ ما قيل عنك من قبل ، أنت المسيح الآتي الّذي تمّ فيك التّاريخ الماضي وأنت ابن الله الحيّ . وهنا يسوع يهنّئ بطرس على إيمانه الّذي ليس من لحمه ودمه بل من الآب . فالإيمان ليس من الإنسان وإنّما منبعه الله . هو يزرعه فينا ، فالإيمان هو العلاقة الحميميّة مع الله وهو من بادر بالعلاقة ، هو من أحبّنا اوّلاً .
مخطئون من يعتقدون أنّ معرفة الله تأتي بالعلم والعقل فقط . ألعلم وحده لا يكفي ، ، نحن بحاجة إلى النّور الّذي يفيض من أبينا السّماوي وينير بصائرنا ، وبحاجة إلى محبّته الّتي تنسكب في قلوبنا وبتفاعلنا معها ندخل في سرّ الله . والله زرع الإيمان في كلّ النّاس ولا أحد يعرف يسوع المسيح إلّا باختبار الإيمان ، أي باختبار العلاقة الحميميّة معه . فكيف نعرف شخصاً إن لم نبني علاقة معه ؟
ألإيمان ليس كالمعرفة ، أن أعرف بشكل نظريّ ومعلوماتيّ فهذا سهل ، أمّا أن أؤمن ، فهذا يعني أن أدخل بعلاقة مع يسوع ، أن أعيش كلامه وأتحدّى كل الصّعوبات ، أن أسير معه يخطىً ثابتة وأثق أنّه معي في كلّ الظّروف ، بل أكثر من ذلك أن أترجم إيماني بأعمالٍ تعكس صورته . لذلك أوصاهم يسوع ، ألّا يخبروا أحداً أنّه المسيح . فالمسيح لا يريد زعامة أو منصباً ، كما لا يريد جمع أعداد من النّاس حواليه ، وإنّما يريد أن يلقى كلّ منّا باختبار شخصيّ ومعرفة شخصيّة حميميّة . يريدنا أن نحبّه لأنّنا عرفناه وليس لأنّنا انبهرنا بمعجزة أو حدث .
وبسبب هذا الإيمان ، تبدّل اسم " سمعان" وفاض الرّبّ عليه بتدبيره ، " أنت الصّخرة وعلى هذه الصّخرة سأبني كنيستي" .
في قيصريّة فيلبس يسوع أعلن حقيقتين : ألأولى ، أنّ القيصريّة الحقيقيّة هي الكنيسة ، وكشف أنّ بطرس هو المكلّف بحماية الإيمان ، وممارسة العدالة من خلال الإيمان وإدارة الكنيسة على ضوء هذا الإيمان .
كلّ ممالك الأرض ينتمي إليها النّاس بالأمر الواقع ، واقع الاجتياحات والحروب والتّقسيمات الجّغرافيّة أمّا مملكة المسيح ننتمي إليها فقط بالإيمان والحبّ . في هذه المملكة نعيش مع الرّبّ ،نختبره ، نعرفه فنعطي جواباً ، جواب الإيمان : أنت هو المسيح إبن الله الحيّ ".