فقال الرب الإله للحية:((لأنك فعلت هذا فأنت ملعونة من بين جميع البهائم وجميع وحوش البر.على بطنك تزحفين وترابا تأكلين طول أيام حياتك.
بينك وبين المرأة أقيم عداوة وبين نسلك ونسلها فهو يترقب منك الرأس وأنت تترقبين منه العقب)).
وقال للمرأة: ((أزيد تعبك حين تحبلين،وبالأوجاع تلدين البنين. إلى زوجك يكون اشتياقك،وهو عليك يسود)).
وقال لآدم: ((لأنك سمعت كلام امرأتك، فأكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها تكون الأرض ملعونة بسببك. بكدك تأكل طعامك منها طول أيام حياتك.
شوكا وعوسجا تنبت لك،ومن عشب الحقل تقتات.
بعرق جبينك تأكل خبزك حتى تعود إلى الأرض لأنك منها أخذت. فأنت تراب،وإلى التراب تعود)).
وسمى آدم امرأته حواء، لأنها أم كل حي.
وصنع الرب الإله لآدم وامرأته ثيابا من جلد وكساهما.
وقال الرب الإله: ((صار آدم كواحد منا يعرف الخير والشر. والآن لعله يمد يده إلى شجرة الحياة أيضا فيأخذ منها ويأكل، فيحيا إلى الأبد)).
أبونا السّماويّ ، الّذي خلقنا على صورته كمثاله وأحبّنا لا بل عشقنا ، وأشركنا في ملكه ، وسلّطنا على كلّ ما خلق ، وبما أنّه أب فهو وانطلاقاً من حبّه يعاقبنا على خطئنا .
ويجب أن يعاقبنا لأنّه أب ، ولكن علينا أن نقبل أنّ طرق الرّبّ غير طرقنا ، ونحترم أنّ حكمته مختلفة عن حكمتنا ، وبالتّالي طريقة عقابه مختلفة عن طريقة عقابنا.
بعد الحوار الّذي أقامه الله مع الرّجل والمرأة ، ولم يدخل في حوار مع الشّرّ بل تعامل معه مباشرة ، لأنّ الله صالح ، ويعلم أنّ ما يدفعنا للخطأ وحتّى لو بإرادة حرّة ضعفنا الإنسانيّ ، وبالتّالي يتعامل معنا على هذا الأساس ، لأنّ الله أكبر من خطيئتنا .
((لأنك سمعت كلام امرأتك، فأكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها تكون الأرض ملعونة بسببك. بكدك تأكل طعامك منها طول أيام حياتك))
كتابنا المقدّيس متعة ! قبل أن يعطينا الرّبّ القصاص ، يبدأ بالسّبب . لأنّك سمعت كلام امرأتك بدلاً من كلامي ، لأنّك أصغيت إلى شهوتك بدلاً من أن تصغي إلى نصيحتي ، لأنّك اخترت ما هو لخيرك انطلاقاً من ذاتك وليس انطلاقاً من محبّتي ، فنتيجة تصرّفك هي أنّ الأرض ملعونة بسببك . ليس الله من لعن الأرض ، وإنّما عمل الإنسان الغير سليم . تصرّف الإنسان على أنّه سيّد الأرض بمعزل عن المحبّة الإلهيّة ، فحجب عنها هذه المحبّة وبالتّالي أصبحت ملعونة بسببه .
لو عدنا إلى تكوين ( 2-5)(( لا شجر البرية كان بعد في الأرض، ولا عشب البرية نبت بعد. فلا كان الرب الإله أمطر على الأرض، ولا كان إنسان يفلح الأرض،)) سنفهم أنّ العقاب الموجّه للإنسان ليس العمل ، لأنّ العمل ضروريّ في حياتنا ، لا بل يحقق قيمتنا ونموّنا وحريّتنا ، كما أنّه يفيدنا ماديّاً واجتماعيّاً . لو لم يتعب العلماء ولو لم يعملوا بكد لما تطورت البشريّة ، ولو لم يبذل الطّبيب مجهوداً كافياً لإجراء عمليّة جراحيّة لتسبّب بموت إنسان ، ولو لم يتعب الأهل في تربية أبنائهم لتسبّبوا بانحرافهم ....
((بكدك تأكل طعامك منها طول أيام حياتك)) ،
كما سبق وذكرنا أنّ الله ومن شدّة محبّته للإنسان خلقه على صورته ومثاله وسلّطه على كلّ ما خلق ، أيّ أنّ الإنسان لم يتعب ليستحقّ ما وضعه الله تحت سلطته ، وبالتّالي إن أراد الإنسان أن يفصل نفسه عن الله فعليه أن يبذل مجهوداً ليستحقّ أيّ شيء . ونختبر ذلك بحياتنا اليوميّة ، إذ إنّنا ونحن نعمل بفرح الله ، ونقدّم عملنا له ، لا نشعر بالتّعب المؤلم وإنّما ننتظر حصاداً مثمراً لعملنا ، أمّا إذا كنّا نستخدم طرقاً ملتوية ، أو نعمل وكأنّنا مجبرين على العمل ، فسنشعر حتماً بالاضطراب والتّعب ، والكآبة .
(( بعرق جبينك تأكل خبزك حتى تعود إلى الأرض لأنك منها أخذت. فأنت تراب،وإلى التراب تعود)).
أراد الإنسان أن يسرق مجد الله بخطيئته ، أراد أن ينصّب نفسه سيّداً بمعزل عن الله ، إذن ، فالنتيجة طبيعيّة لفعلته. يتعب ، ليحصل على قوته . وبهذه العبارة الجميلة ( أنت من التّراب وإلى التّراب تعود ) يذكّر الله الإنسان ، أنّه محدود ، ولا يمكنه أن يسعى للمجد الإلهيّ بمعزل عن الله . عليه أن يمرّ بالألم ليستحق المجد .
((وصنع الرب الإله لآدم وامرأته ثيابا من جلد وكساهما. ))
آية بقمّة الجمال ، تعبّر عن حبّ الله الّذي يحاصرنا ، حنوّ ما بعده حنوّ ، رغم كلّ شيء ، رغم أنّنا نسقط ، ورغم كبريائنا الّذي يفصلنا عنه ، إلّا أنّه يستر خطيئتنا . نسقط ، فينادينا ، فيحاورنا ، يبيّن لنا نتيجة سلوكنا السّيّء وكم أضرّ بنا ، ثمّ وبكلّ حبّ يصنع لنا حماية تستر عرينا . الرّبّ لا يرد إذلالنا بل تأديبنا . كما تعاقب الأمّ طفلها ثمّ تغمره بحنانها لتقول له :" رغم كلّ شيء أحبّك " .
(( وقال الرب الإله: ((صار آدم كواحد منا يعرف الخير والشر. والآن لعله يمد يده إلى شجرة الحياة أيضا فيأخذ منها ويأكل، فيحيا إلى الأبد))
ألخطيئة هي أن نختار ما هو لخيرنا بمعزل عن محبّة الله ، أن نعمل مشيئتنا ونفقد الثّقة بالمشيئة الإلهيّة ، وهنا نحن نعتبر أنفسنا آلهة . وهذا خطأنا الفادح . نحن لسنا آلهة بل بشر على صورة الله ، وبالتّالي نحن بحاجة إلى من صنعنا ، لأنّه يعرفنا أكثر من أنفسنا ، ويدرك أعماقنا ، أمّا نحن فلا . بدليل أنّنا نحيا ما نحيا من سنين وغالباً لا نفهم ذواتنا. أمّا هو ، أبونا ، جابلنا ، من أحبنا أوّلاً يفهمنا ويدرك ذاتنا أكثر منّا بكثير .
لذا علينا وبكلّ ثقة أن نتلو في كلّ حين ، لتكن مشيئتك يا أبي وإلهي ، لا مشيئتي ، مشيئتك تحييني أمّا مشيئتي البعيدة عنك فسبيلها الموت .