.
وسَمِعَ آدمُ واَمرأتُه صوتَ الرّبِّ الإلهِ وهوَ يتمشَّى في الجنَّةِ عِندَ المساءِ، فاَختبأَا مِنْ وَجهِ الرّبِّ الإِلهِ بَينَ شجرِ الجنَّةِ.
فنادَى الرّبُّ الإلهُ آدمَ وقالَ لَه: ((أينَ أنتَ؟))
فأجابَ: سَمِعتُ صوتَكَ في الجنَّةِ، فَخفتُ ولأنِّي عُريانٌ اَختَبأتُ)).
فقالَ الرّبُّ الإلهُ: ((مَنْ عَرَّفَكَ أنَّكَ عُريانٌ؟ هل أكلتَ مِنَ الشَّجرَةِ التي أوصَيتُكَ أنْ لا تأكُلَ مِنها؟))
فقالَ آدمُ: ((المرأةُ التي أعطَيتني لِتَكونَ مَعي هيَ أعطتني مِنَ الشَّجرَةِ فأكَلْتُ)).
فقالَ الرّبُّ الإلهُ لِلمرأةِ: ((لِماذا فَعَلتِ هذا؟)) فأجابَتِ المَرأةُ: الحَيَّةُ أغوتْني فأكلْتُ))
عندما يختبر الإنسان الخطيئة ، يدرك في قرارة نفسه كم شُوّهت صورته الإنسانية الحقيقيّة ، الّتي هي على صورة الله . ومن المهمّ جدّاً ، أن ننهض بعد السّقوط ، ونتشجّع لنقيّم ما فعلناه بإحساس بالذّنب الإيجابيّ وليس السّلبيّ ، بمعنى ، أن نعيد مع أنفسنا بشكل مسؤول ما فعلناه ، ماذا تعلّمنا منه ، وكم أسأنا إلى صورة الله الّتي فينا ، دون أن نسمح لنتائج خطيئتنا أن تسيطر علينا . بل علينا أن نكون واثقين بأنّ الله يمدّ يده دائماً لمساعدتنا على ضعفنا ، وانتشالنا من سقطتنا ، وذراعيه مفتوحتين لاحتضاننا ، لا بل أكثر من ذلك ، الله ، أبونا ، لا يفقد ثقته بنا . لا ننسى أبداً ما قاله يسوع لبطرس في لوقا 22/31.32 ((سِمعانُ، سِمعانُ! ها هوَ الشَّيطانُ يَطلُبُ أنْ يُغَربِلَكُم مِثلَما يُغَربِلُ الزّارِعُ القَمحَ.
ولكنّـي طَلبَتُ لكَ أنْ لا تَفقِدَ إيمانَكَ. وأنتَ متى رَجَعتَ، ثَــبِّتْ إخوانَكَ)). الله يعلم بسقطتنا ، يعطينا حرّيّة القرار والاختيار ، لا بل برأيي المتواضع ، يجعلنا نحتبرها لنعود إليه بفعل حرّ ومحبّ . وثقته بنا لا تتزعزع رغم كلّ شيء (( وأنتَ متى رَجَعتَ، ثَــبِّتْ إخوانَكَ)). هو يعلم أنّنا سنعود ، وعند عودتنا وبعد الاختبار سنكون أقوى وأهلاً للثّقة .
لا بدّ أن ننفض الغبار عن مفهومنا الّذي ما زلنا نتمسّك به ، وهو أنّ الله ينتظر أن نخطئ كي يعاقبنا ، وأنّه جالس على عرشه يسمح لهذا أن يخطئ ولذاك لا . سوف نرى من خلال (تكوين 3/8.14) كيف يتعامل الله مع الإنسان عندما يسقط .
((وسَمِعَ آدمُ واَمرأتُه صوتَ الرّبِّ الإلهِ وهوَ يتمشَّى في الجنَّةِ عِندَ المساءِ، فاَختبأَا مِنْ وَجهِ الرّبِّ الإِلهِ بَينَ شجرِ الجنَّةِ.))
جميلة عبارة ، الله يتمشى في الجنّة عند المساء . هو هنا يتفقّد في آخر النّهار أبناءه الأحبّاء . لا بل هو هنا بعد اختبار الإنسان الصّعب وسقوطه ، يفتقده لأنّه لن يتركه وحيداً في ألم الخطيئة . وكلمة (يتمشّى ) تعبّر بقوّة عن مدى قرب الله من الإنسان . ولكنّ الإنسان اختبأ من وجه الله ، ذلك لأنّ الظّلمة تندثر أمام نور الحقيقة . وكأنّ الإنسان يحاسب نفسه ولكن بطريقة خاطئة وهي الهروب . تماماً كما فعل يهوذا ، الّذي هرب من رحمة الله ، حاسب نفسه فقتلها . أدرك الإنسان عريه بعد السّقوط ، انفتحت بصيرته وعلم أنّه فصل نفسه عن الله ، فهرب من وجهه .
أمّا الله ، نادَى ا:آدم أينَ أنتَ؟ إنّه يناديه وهو يعلم أنّه مختبئ ، كذا يفعل الأطفال عندما يخطئون ، يختبئون من وجه أبيهم ، ويدارون فعلتهم .
آدم ، أين أنت ؟ كم تنبض هذه العبارة بالحنان والحبّ ، وسوف يدخل الله في حوار مع الإنسان حول ما فعل . لا يمرّ الأمر هكذا ، بين خطأ وعقاب . لا بدّ من مناقشة حقيقيّة ، راقية ، ليعلم هذا الإنسان وعلى ضوء محبّة الله وحكمته خطورة ما فعل .
أجابَ الإنسان : سَمِعتُ صوتَكَ في الجنَّةِ، فَخفتُ ولأنِّي عُريانٌ اَختَبأتُ .
ولكن الله لم يسأل الإنسان لم اختبأت ، بل أين أنت . وهنا نعي أنّ تأثير الخطيئة على نفوسنا يستمر ويشوّش عقولنا ما لم نقف بمسؤوليّة أما عملنا السّيّء .
(سمعت صوتك ، فخفت ) . منذ الآية الأولى في سفر التّكوين وحتّى الآية 25 من الفصل الثّاني ، لا نجد ولا كلمة ، ولا عبارة ، ولا آية تشير إلى أنّ الله أخاف الإنسان . لا بل على العكس ، جعله سيّداً على ملكه ، أشركه بما خلق ، والطّلب الوحيد كان عدم الاقتراب من شجرة معرفة الخير والشّر ، لأنّ النتيجة ستكون الموت . ألله طلب ونبّه لما ستكون عليه نتيجة الاقتراب من هذه الشّجرة .
خاف الإنسان لأنّه أدرك موته ، أدرك ما سبق وأنذره به الله وهو الانفصال عنه . فقد الإنسان هذه العلاقة الحميميّة بينه وبين الله . فقد كرامته الّي وهبه إيّاها الله ، كما أنّه فقد ثقته في نفسه . وهذا كلّه يؤدّي إلى الخوف ، ومتى سيطر الخوف على الإنسان ، تعطّل عقل ، وتعطّلت بصيرته .
ونلاحظ كيف أنّ الله ينطلق من جواب الإنسان ليدخل في حوار معه . ((مَنْ عَرَّفَكَ أنَّكَ عُريانٌ؟ هل أكلتَ مِنَ الشَّجرَةِ التي أوصَيتُكَ أنْ لا تأكُلَ مِنها؟)) سؤالين يساعدان الإنسان على إدراك ما فعل من أجل أن يكتشف بنفسه نتيجة السّلوك السّيّء . لم يقل الله ، أكلت من الشّجرة ، لهذا السّبب أنت عريان . بل هذا الحوار يجعل الإنسان يقرّ بعمله ويستنتج نتائج فعلته . الله يري بالحوار أن ينتزع الخوف من الإنسان ، ويعيد له اتّزانه ، فيتحمّل مسؤوليّة خطئه ويعترف به ، كي لا يعود إليه .
أمّا الإنسان فما زال كبرياؤه مسيطراً عليه . وهذا هو أصل الخطيئة ، الكبرياء ، رفض قاطع بأن أعترف بخطئي ، ما يزيد من سلوكي شرّاً ، حتّى أتجاسر وأنّهم الله بأنّه سبب خطئي . ((المرأةُ التي أعطَيتني لِتَكونَ مَعي هيَ أعطتني مِنَ الشَّجرَةِ فأكَلْتُ)) . كبرياء الإنسان يتجرّأ على اتّهام الله !! ألا نفعل ذلك دوماً ؟؟؟ أمثلة بسيطة على ذلك : لِمَ سمح لي الله أن أخطئ ؟ لم لم يمنعني ؟ ألله كان يعلم أني سأخطئ ، أين كان الله عندما أخطأت ؟؟؟ .... وأسئلة لا تنتهي وكلّها تصب في اتّهام الله ، وتشبه إلى حدًّ بعيد ، ((كِنَّ اللهَ يعرِفُ أنكُما يومَ تأكُلانِ مِنْ ثَمَرِ تِلكَ الشَّجرَةِ تنفَتِحُ أعينُكُما وتَصيرانِ مِثلَ اللهِ تعرفانِ الخيرَ والشَّرَّ)) . وكأنّنا نقول أنّ الله يحتال علينا ويتلذّذ بخطيئتنا ولا عمل لديه إلّا معاقبتنا !!
ألمرأة الّتي أعطيتني أنت !! قمّة الكبرياء .. لو لم تعطني إيّاها ، أنت ، لما أخطأت !! قمّة اللّامسؤوليّة ..
وبكل هدوء ينتقل الله إلى المرأة الّتي وهبها لآدم ، ومجدّداً ينطلق من جوابه ليدخل بحوار معها :((لِماذا فَعَلتِ هذا؟)) . فأجابَتِ المَرأةُ: الحَيَّةُ أغوتْني فأكلْتُ)) . وهنا اعتراف غير مباشر بأنّ ما فعله الإنسان نتيجة لاقتناعه بما قدّمه له الشّرّ .
ونرى كم شوّهت العلاقة الرّجل والمرأة بين بعضهما ، فعبارة (المرأة الّتي أعطيتني إيّاها ) تعبّر عن عدم محبّة لتلك المرأة ، وعن عدم احترام . في البدء كانا معاً في اختيارهما ، أعطته فأكل ، لم يعترض الرّجل ، ولكنّه وافق بإرادة حرّة ، وكان يمكنه أن ينصح زوجته . أمّا وقد وقع الخطأ فالعلاقة ستتشوّه حتماً ، لأنّه بانفصالنا عن الله ننفصل عن المحبّة وبالتّالي نفتقدها في علاقتنا مع بعضنا البعض.
أهّلنا ، أبانا ، أن نعي وإن أخطأنا ، مدى حبّك لنا ، فنعود إليك معترفين أمامك بكلّ مسؤوليّة ، بخطئنا ، واثقين أنّك في انتظارنا لمساعدتنا على النّهوض من جديد .