رِسالَة إِلي أُمي
إِلَيكِ أَيَتُها العَذراء الأُم وَالمَلِكَة عَلي قَلب وَعَقل كُل مَن قَبِلَ بِشارَةَ الخَلاص وَصَدَقَ الخَبَر.. وَدَدتُ بِإِشتِياق أَن أَبعَثُ (أَنا الغَيرُ مُستَعِد حَقاً لِهَذا الإِدِعاء وَالشَرَف العَظيم) بِرِسالَتي هَذِهِ، وَالحَق أَنَ صَديقي المُقَرَب إِلي نَفسي هُوَ مَن أَشارَ عَليَ بِإِرسالِها حُباً وَعِرفاناً لَكِ، وَما وَجَدتَهُ داخِلي مِن إِقتِناع وَثَورَةَ حُبٍ لَكِ يا أُمي وَسَيِدَتي وَمَليكَة قَلبي وَعَقلي بِالحَقِ وَليسَ تَمَلُقاً أَو سَعياً لِمَجدٍ ذاتي أَمام العالَم بِالتَهليل.
أَكشِفُ لَكِ يا أُمي بِأَنَ صَديقي كَي يُقنِعَني بِرَفع الرِسالَة قَد أَخَذَ بِيَدي إِلي عالَم الأُمومَة الأَيام القَليلَة الماضِيَة، وَأَراني حالَتين مِن كَثير.. وَاحِدَة حَدَثَت أَمامي، وَالثانِيَة حَكَت لي عَنها الأُم صَاحِبَة الحالَة، وَأَنا لَم أَحتَمل تَأَثُراً رَغمَ كَثرَة أَمثالِها.
الأُولي عَن أُم تَوَقَف نَبض جَنينَها الأَوَل (البِكر) في بَطنِها قَبلَ أَن يُكَمَل وَيَخرُج إِلي النور.. فَأُجرِيَت لَها عَمَلِيَة تَطهِير.. كَم كانَ حُزنَها مُؤَثِراً لِأَجلِ فَقيدِها الذي لَم تَرَهُ بِالمواجَهَة وَلَم يَكُن لَهُ إِسم بَعد.
الثانِيَة أُم تُوَدِع إِبنَها البِكر ذي الإِثنَين وَالعشرينَ رَبيعاً، وَكَم وَكَم كانَت دِموعَها عَظيمَة التَأثير عَلي نَفسي وَكُل مَن حَولَها.. هِيَ طَبيبَة، وَلَكِن الأُمومَة أَعظَم مِنَ الكُل.. كانَت تَقول بِالأَمس: إِبني هَذا مِن دَمي لَحمَهُ وَعِظامَهُ، أَحبَبتَهُ وَأَحَبَني.. لِسانُ حَالِها كَانَ يَنطِق مَعَ نَظَراتِها صَارِخاً: هَذا أَعَزُ عَليَ مِن كُلِ حَياتي وَالدُنيا مِن حَولي.
وَأَنا وَجَدتُ صَديقي الذي قادَني وَكانَ مَعي لَم يَترُك هَاتين الواقِعَتينِ إِلا وَعَلَق عَليهٌما وَقال: أَرَأَيت الأُمومَة وَكيفَ أَنَكَ تَأَثَرت لِلَحَظات ؟.. إِنطَلِق بِقَلبِكَ وَعَقلِكَ وَلأَنا مَعَكَ، وَتَخَيَل كَم هُوَ عَظيم ما عَانَت وَتُعاني مِنهُ هاتَين الإِمرأَتين.. كَم حُزنَهُما.. أَيُ قِيمَةٍ أَيُ ثَمَنٍ أَعظَمُ بِحَياتِهِما مِن ما أُخِذَ عَنهُما.. أَفَهِمت المَغذَي مِن إِشارَاتي ؟
قُلت لَهُ: قَلبي تَحَؤَكَ داخِلي وَأَنت تُكَلِمَني، وَكَأَنَ روحي صارَت لِسِياحَة بَسيطَة مُتَحَرِرَة.. رَأَيتُ فيها كَم كانَ غَظيماً ما جَازَت فيهِ العَذراء مِن أَلَم وَمُعَانَة وَدِموع مِدرارَة، وَتَفَهَمتُ (بِقَدرٍ) نِبوَة سِمعان الشِيخ لَها.. بَل أَعظَم إِذ تَفَهَمتُ أَمراً لَيسَ مِني.. تَفَهَمتُ أَنَ العَذراء قَدَمَت بِكرَها (اوالإِبن الوَحيد) البار (الَذي لَم يَغعَل خَطيَة وَاحِدَو بِحَياتِهِ) عَني لِأَجلي أَنا الخاطِيء أَنا إِبنَها بَعدَ البِكر بِالتَبَني، وَتَحَمَلَت هِيَ...
قالَ لِي: هَكَذا كَما قُلت.
قُلت: شُكراً لَكَ وَصُحبَتَكَ.
لِأَجلِ هَذا وَبِدِموع العِرفان وَبِحَسَب إِيماني وَتَصدِيقي وَإِختِباري أَبعَثُ لَكِ بِكُلِ الشُكر وَالتَعَلُق، وَأَعتَرِف بِحَق ما قالَهُ سَمعان الشِيخ الأَب لَكِ وَهوَ لي وَلِكُلِ مَن يَقبَل.. دُمتِ لَنا الأُم الحَنون المُحِبَة بِإِثبات فَوقَ الكُلِ.. عَزاءاً لَكِ إِعتِرافُنا.. طوباكِ يا أُمي.. لا تَنسيني.. مُحتاج لَكِ.. لا أَثِق بِنَفسي إِلا مَعَكِ خَلف السَيِد القُدوس.. أَمين.
(مَنقولَة عَن كِتاب صَدَرَ مُنذُ قَليل.. شُكراً لِكاتِبِهِ)
وَأَنا هُنا أَرفَع طِلبَة إِلي العَذراء أُمَنا لِأَجلِ أَن تَحِل بَرَكَة صَلَواتِها عَلي كَنيسَة هَذا المُنتَدي الَذي لِرَئيس المَلائِكَة مِيخائيل.
أَمين.