-أيُّها الشيخ، هل يعرفُ الشيطانُ ما في قلبِنا؟
-هذا ما ينقصُهُ بعد، أنْ يعرفَ ما في القلوب! اللهُ وحدَهُ يعرفُ مكنوناتِ القلوب، ويكشفُ لبعضِ
الناسِ فقط ما يوجدُ في قلبِنا، مرَّاتٍ محدَّدة، وهذا لخيرِنا. يعرفُ الشيطانُ الأمورَ السيِّئةَ التي يغرسُها في
العاملينَ معَهُ، ولكنَّهُ لا يعرفُ أفكارَنا الصالحة. وهناكَ بعضُ الأمورِ يعرفُها من جرَّاءِ الخبرةِ فقط، ولكنَّه،
حتَّى في هذه، وفي مرَّاتٍ كثيرة، يسقطُ خارجًا. وإنْ لم يسمحِ اللهُ أنْ يفهمَ هذه، يسقطُ باستمرارٍ لأنَّ
الشيطانَ مظلم، وإمكانيَّةُ رؤيتِهِ صفر!!! هو لا يعرف، مثلاً، أحدَ أفكاريَ الصالحة. أمَّا إذا كانَ عندي
فكرٌ سيِّئٌ، فهذا سيعرفُه، لأنَّهُ هو الذي غرسَه. الآن، إنْ أنا أردْتُ أنْ أذهبَ لأعمَلَ أيَّ عملِ إحسان،
مثلاً أنْ أُساعدَ إنسانًا ما، فالشيطانُ لا يستطيعُ أنْ يعرفَ هذا الأمر. ولكن، عندما يضعُ الشيطانُ فكرًا ما
فبهذه الطريقةِ سيقودُهُ في الوقتِ ذاتِهِ إلى الكبرياءِ، ولذلك ،« اذهبْ لِتُساعدَ فلانًا » : في أحدِهم ويقولُ له
هوَ يعرفُ هذا الفكر. ولكنْ عندما يقبلُ الإنسانُ الكبرياء، يعطي المجرِّبَ استحقاقًا
هذه الأمورُ هيَ بغايةِ الدقَّة! هل تذكرونَ الحادثةَ التي جرَتْ مع الأنبا مكاريوس؟ كانَ قدِ التقى،
كلُّ » : ذاتَ مرَّة، بالشيطانِ عائدًا من الصحراءِ الداخليَّة، حيثُ كانَ يذهبُ ليُجرِّبَ الرهبان، فقال له
الرهبانِ كانوا بغايةِ القسوةِ معي، سوى واحد، فهو صديقي ويُطيعني، وما إنْ يراني حتَّى يلتفتُ إليَّ
فذهبَ الأنبا .« إسمُه ثاوبمبتوس » : أجابَهُ ذاك «؟ من هو هذا الأخ » : فسألَهُ الأنبا مكاريوس .« مثلَ الريح
ليَجِدَ الأخ، وبطريقةٍ ما استطاعَ أنْ يكشِفَ له أفكارَهُ وساعدَه. وعندما التقى الشيطانَ مجدَّدًا سألَهُ عن
كلُّهم كانوا متوحِّشين معي، والأسوأُ أنَّ ذاكَ الذي كانَ صديقًا لي، لا أعرفُ كيفَ » : الإخوة، قالَ له
لم يعرفْ أنَّ الأنبا مكاريوس ذهبَ .« انقلبَ عليَّ، والآنَ هو يُحاربُني بضراوةٍ أكثرَ من كلِّ الآخرين
إليهِ وجعلَهُ يُراجِعُ حساباتِه، وهذا لأنَّ الأنبا مكاريوس قد تحرَّكَ ناحيَتَهُ بتواضع، وبدافعِ المحبَّة، ولم
يعُدْ للشيطانِ استحقاقٌ على ذلكَ الفكر. لو أنَّ الأنبا مكاريوس تكبَّر، لكانَ طرَدَ نعمةَ الله، وساعتئذ،
سيكونُ للشيطانِ استحقاق. وعند ذاك، يكونُ الشيطان عارفًا بالأمر، لأنَّهُ هوَ مَنْ حرَّكَ فيه الكبرياء.
* * *
-إذا قالَ الإنسانُ فكرًا صالحًا في مكانٍ ما، فهل يمكنُ للشيطانِ أنْ يسمعَهُ وأنْ يؤثِّر فيما بعد؟
-كيفَ لهُ أنْ يسمعَه؟ ولكن إنْ كانَ يقولُهُ لكي يتكبَّر، فسيدخلُ المجرِّبُ على الفورِ في الوسط،
يدخلُ الشيطانُ في ،« سأذهبُ لأخلِّصَه » : أيْ إنْ كانت توجدُ نيَّةُ كبرياءٍ مسبقةٌ ويقولُ الإنسانُ بكبرياء
الوسطِ وعندئذ يعرف. بينما، إذا تحرَّكَ للمساعدةِ مدفوعًا بروحِ التواضعِ والمحبَّة، فلا يستطيعُ أنْ
علمُ » يعرف. الانتباهُ واجبٌ وضروريٌّ. فهذه الأمورُ دقيقةٌ جدًّا. لذلك يقولُ الآباءُ إنَّ الحياةَ الروحيَّةَ هي
.« العلوم
-ولكن، أيُّها الشيخ، كيفَ يحصلُ أنَّ ساحرًا يقولُ لثلاثِ فتياتٍ أنَّ واحدةً ستنتقل، وأُخرى
ستفشل، والأخيرةُ ستبقى من دونِ زواج، وكلُّ ما قالَهُ يصير؟
-الشيطانُ عندَه خبرة. مثلاً، عندما يرى مهندسٌ مترلاً موشِكًا على السقوط، يستطيعُ أنْ يقولَ كم
من الوقتِ سيبقى صامدًا بعد...، وهكذا الشيطانُ يرى مسيرةَ الإنسان، وبخبرتِهِ يقولُ كيفَ سيكونُ في
آخرِ المطاف.
الشيطانُ ليسَ عندَه ذكاء، فهو غبيٌّ للغاية. كلُّهُ عبارةٌ عن عقدة، لا تجدُ لها طرفًا. صدرُهُ رحبٌ
جدًّا. فاللهُ دبَّرَ هكذا لكي نفهمَه. وإنْ وُجدَ شخصٌ ما لا يَفهمُ ألاعيبَه، فهذا لأنَّهُ إنسانٌ مُظلمٌ جدًّا
بسببِ الكبرياء. وعندما نمتلِكُ تواضعًا، نستطيعُ أنْ نفهمَ ألاعيبَ الشيطان، لأنَّ التواضعَ يُنير الإنسانَ
ويُقرِّبُهُ إلى الله. التواضعُ هو الذي يُشقي الشيطانَ ويُمرمرُه.