"سمعتم انّه قيل لآبائكم : لا تقتل ، فمن قتل يستوجب حكم القاضي . أمّا أنا فأقول لكم : من غضب على أخيه استوجب حكم القاضي ، ومن قال لأخيه : يا جاهل استوجب حكم المجلس ومن قال له : يا أحمق استوجب نار جهنّم." وإذا كنت تقدّم قربانك إلى المذبح وتذكّرت هناك أنّ لأخيك شيئاً عليك ، فاترك قربانك عند المذبح هناك ، واذهب أوّلاً وصالح أخاك ، ثمّ عد وقرّب قربانك " (متى 5/21-24)
ألقتل جريمة يعاقَب عليها منذ أن نشأ الإنسان . والقتل أسوء عمل يمكن أن يقدم عليه الإنسان ، لأنّه يتجرّأ على إيقاف حياة إنسان آخر . والقوانين المدنيّة قاسية جدّاً في هذا الموضوع ، فالقاتل يقتل ، وبعض الدّول المتحضّرة ألغت ، عقوبة الإعدام لأسباب عدّة لن نتطرّق إليها الآن واستبدلتها بأحكام ربّما أشدّ ألماً من الإعدام.
من قتل ، استوجب حكم القاضي ، (تقضي التّوراة بقتل القاتل (خر 21/12 ، اح24/17 ، تث17/8-13) ، وهذا عدل .
أمّا أنا فأقول : من قال لأخيه يا جاهل ( الكلمة الآراميّة تعني : فارغ الرأس ، بلا دماغ ) ، استوجب حكم المجلس ( مجلس القضاء الأعلى ، ويضمّ 71 عضواً مقيمين في اورشليم ، وفي كل مدينة كبرى ) . والمتكلّم هو السّيّد والرّب والعدالة المطلقة ، إذ إنّ عدالة الله تفوق عدالة البشر ، واحترامه لإنسانيّة الإنسان تفوق احترامنا لأنفسنا . لأنّك عندما تقول لأخيك ، يا جاهل ، أنت تهين عقله وحكمته ، ولا تحاول أن تساعده في تنميتهما ، لا بل تحجب عنه المعرفة . عندما تقول له ، يا جاهل ، تعتبر نفسك أشدّ حكمة منه ، إذاً أنت متكبّر ، ولست حكيماً . أنت تحكم على أخيك بالجهل لتظهر انّك أفضل منه ، وأذكى منه . امّا عند الله فكلّنا متساوون ، وكلّنا يتغذّى من حكمته ويستنير من نوره . وحكمك على أخيك بالجهل ، يخلق بينك وبينه مسافة كبيرة ، إذ أنت تنظر إليه من علوّ ، وهو يتطلّع إليك من أسفل . وأنت بذلك تنسى أو تتناسى أنّ حكمتك ومعرفتك ، عطية الله ، فتكرّس العطيّة ولا تبالي بالعاطي .
ومن قال له : يا أحمق ، ( الكلمة اليونانيّة ، تعني الجهل ، الخلوّ من الفهم ، أمّا الإستعمال جعل منها كلمة تعبير عن الكفر والجهل الذّريع (تث 32/6 ، 1قور4/10)،استوجب نار جهنّم .
كم يحترم الله إنسانيّة الإنسان وكرامة الإنسان . قولك لأخيك ن أحمق ، يفصلك عن الله تماماً ، إذ إنّ عقاب جهنّم هو الهلاك الأبديّ ، وهو طريق اللاعودة إلى الله . إنّ الإزدراء بكرامة الإنسان ، وكيانه ، هو استهزاء بالله ، فالإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله ، وبإهانتك لأخيك ، أنت تهين الله !! وبالتّالي فصلت نفسك عنه .
ويذهب يسوع أبعد من ذلك ويقول : وإذا كنت تقدّم قربانك إلى المذبح وتذكّرت هناك أنّ لأخيك شيئاً عليك ، فاترك قربانك عند المذبح هناك ، واذهب أوّلاً وصالح أخاك ، ثمّ عد وقرّب قربانك . وماذا يعني هذا ؟ لو تأمّلنا لدقيقة هذه الجملة ، فسوف تتجلّى لنا أهمّيّة الإنسان وقيمته عند الله . وسأتجرّأ وأشرحها على الشّكل التّالي : كان الشّعب القديم يقرّب الذّبائح أمام الله لتغفر خطاياه ، ويطلب منه يسوع أن يتركها ويذهب ليصالح أخاه . واليوم نحن نؤمن أنّ القربان الحقيقيّ هو يسوع المسيح ، وإن كان لك شيء لأخيك عليك ، أترك قربانك واذهب وصالح أخاك . ألقربان هو الرّبّ !! يقول لك يسوع ، أتركني واذهب ، صالح أخاك ، وامسك بيده وتعالا إليّ . لا تأتِ إليّ وأنت على خلاف مع أخيك ، لأنّك بإساءتك لأخيك ، تجرأت على الإساء أمام الله ن فكيف تجرؤ على تقريبه عن خطاياك؟؟؟؟!!!!
ألقتل الفعليّ ، حين تسمع الرّبّ يقول على لسان يوحنّا : من أبغض أخاه فهو قاتل " . البغض يقتل ، لأنّك إن أبغضت أخاك ، ستوجّه إليه كلّ أعمالك الشّريرة ، ستستبيح أملاكه ، وكرامته وإنسانيّته . وعندما تبغضه أنت تبغض الله ، فكيف لا تحبّ الّذي تراه ، وتدّعي أنّك تحبّ الّذي لا تراه ؟؟ أنت كاذب !! . إن كرهت أخاك ، قتلته ، وإن كرهت أخاك ، كرهت الله ومن له آذان صاغية فليسمع ....