مقال: هـــــوذا ايليـــــا
27 / 07 / 2009
كان ايليا يدعى سابقاً بريشوع ولكن لما قدم محرقته على جبل الكرمل وقبلها الله، تحمس له الشعب الحاضر وأطلق عليه تبجيلاً وتعظيماً اسم ايليا الذي يعني "الله هو الكائن" "الرب هو إلهي" وأصبح النبي منذ ذلك الحين معروفاً بهذا الاسم أما اسم ايليا فهو اسم عبري معناه إلهي يهوه والصبغة اليونانية لهذا الاسم هي الياس منقولة كما هي الى العربية.
وكثيراً ما روت الاجيال عنه الاخبار التي هي أشبه بقصص الملاحم وبطولاتها منها بأخبار الناس العاديين حتى ان بعض الرسامين راحوا يصورونه في مواقف تثير الهلع والاشمئزاز في نفوس، إذ يظهر النبي حاملاً سيفاً ويقطع رأساً بشرياً ويحمله بيده، فهذا الامر مرفوض بل بالعكس علينا أن نصوره بالرجل المحب والمنقذ. بطل الزهد، والنبي الغيور في الدفاع عن وحدانية الخالق في عصر طغت عليه عبادة الاصنام على عقول الناس وحياتهم.
لقد كان ايليا متمسكاً باسمه وأميناً للإله القدير فإذا قيل "هوذا ايليا" كان هذا معناه ان سلطان الله وقدرته تتجليان عندما يظهر هذا الرجل.
"هوذا ايليا": أول ما تعني هو إحسان الله وعطفه في وقت التجربة والاحزان هذا ما جرى مع أرملة صرفت صيدا حيث كانت تجمع عودين من الحطب وتخبز رغيفاً مما بقي لديها (ان العودين يؤلفان صليباً كانت الارملة تفتش عما تتعلق به الحياة الابدية، هكذا كانت حالتها عندما كلمها النبي عن إرادة الله (المغبوط أوغسطين) فامتثلت لطلب النبي وظهرت المعجزة والمكافأة الكبرى لخضوعها لإرادة الله الماثلة بكلام النبي: "ان جرة الدقيق لا تفرغ وقاروة الزيت لا تنقص الى يوم يرسل الرب مطراً على وجه الارض".
هكذا الله الرازق وجه الارملة الى البر أيقظ العاطفة وأوعز اليها ما ينفع النفس وهو الثقة بكلام الله والاعتماد على أنبياء الله، اذا كانت المرأة نالت الجائزة على الارض، فكيف لا تنظر ايضاً الجائزة في السماء لكن الجائزة عن الاعمال الصالحة لا تنتظر في هذه الحياة لقد خصصت حياتنا على الارض لزرع البر أما جمع ثمار الزرع ففي الحياة الابدية. اذا أطعمنا الجائع والمحتاج فلا نخشى نفاد مونتنا بل ننتظر الجائزة غير الارضية.
"هوذا ايليا": "يعني ايضاً الدينونة الإلهية التي تحل على الذين يزدرون شرائع الله كانت العبارة الصحيحة قد اختفت من ارض اسرائيل فقد أغرقت الأمة بالخطيئة ونصبت في كل أرجاء البلاد صنم البعل على هيئة عجل، وقد لاقى الذين كانوا يعبدون الله كل صنوف التعذيب. إزاء كل هذا أرسل الله ايليا لينطق بالحكم الرادع على شر الأمة المرتدة حينما قال عوبوديا: "هوذا ايليا" كان هذا القول مرادفاً لهذه الكلمة: "ايليا هنا فأنت وجميع عبدة الاصنام سيرعبكم هذا الرجل". بالفعل ارتد الشعب الى عبادة الرب وملأ السلام قلوبهم وخيم الاطمئنان على البلاد مما جعل الشعب يهتفون: "الرب هو الإله الرب هو الإله "لقد حسم بسيف الكلمة الإلهية أعناق كهنة الخزي وهو لا يزال وسيبقى امتداداً للثورة الرسولية والكلمة الإلهية ضد الاشرار مفحماً بجرأته أعداء الكنيسة الذين تنكروا للرب نفسه.
"هوذا ايليا": يعني ايضاً ان لنا في الصلاة القوة والعون، يشير يعقوب الرسول لاستجابة صلاة ايليا إذ يقول: "كان ايليا انساناً قابل الآلام مثلنا وقد صلى لكي لا ينزل المطر على الارض مدة ثلاث سنين وستة أشهر ثم عاد وصلى فأمطرت السماء وأخرجت الارض ثمرها" (يعقوب 17: 5-18). في كل الحوادث المهمة في حياة ايليا تبين لنا فاعلية الصلاة المقتدرة التي يرفعها البار الى الله في الظروف المختلفة ومن الحوادث المميزة في حياة النبي ايليا اعتماده على الصلاة في قصته مع أنبياء البعل. لقد تحداهم جميعاً مع الأمة بأسرها وانتصر واعترف الجميع بأن إله ايليا هو الإله الحقيقي.
لا بد من الاشارة الى أول تدشين لرسالته انه مسح قائد الجيش ياهو بن يوشافاط ملكاً على اسرائيل مكان يورام الذي تحيّز وجار وزاغ عن الطريق القويم.
من اين ظهرت في ايليا هذه الرجولة والشجاعة والبذل فيناضل الفرد ضد الأمة كلها؟ ان نبي الله يعطينا الجواب او بالاحرى المفتاح: انه ليس منفرداً يشهد لنفسه ما دام الله معه وان محبته لله هي التي كانت تدفعه دائماً للانذار والارشاد واحتقار المخاطر في سبيل ذلك. "هوذا ايليا" تعني اخيراً لنا انه قدوتنا ومثالنا في الغيرة والايمان والمحبة لله.
كان ايليا هو أول صانع معجزات: تكثير الزيت والدقيق في بيت أرملة في صرفت صيدا. هو اول من أقام ميتاً: أعجوبة ابن الارملة بعد ان مات.
هو أول من اختفى في البرية للصوم والامساك حتى يعود الى رسالته في مواجهة الاخطار.
هو أول ناسك وأول متوحّد ذاق لذة اللقاء والعيش مع الله.
هو أول في خلق مدرسة الانبياء فكان له التلاميذ ومنهم أليشاع.
يبقى لنا، ونحن في خضم مسيرة الحياة، أن نطلب شفاعة النبي الياس حتى يرافق كل البشر ونطلب منه أن يستمطر الروح على قلوب الناس جميعاً.
الأب باسيليوس محفوض- جريدة النهار 26.07.2009