ألقوت الفاني هو قوتنا اليوميّ والأساسي لكي نستمرّ في هذه الحياة. ونسعى إليه كلّ يوم ونكدّ ونتعب ونجتهد . وقد نستغني عن راحتنا ورفاهيّتنا لتأمين هذا القوت الفاني. وطلب الرّب لنا بألّا نعمل لهذا القوت ، لا يعني أن نموت من الجوع ، وأن نتخلّى عن مسؤولياتنا تجاه أنفسنا ، أو التّخلّي عن تأمين القوت لعائلاتنا ولأولادنا ، وإنّما يسوع واضح في هذا الطَلب إذا عدنا إلى الآية الأولى من هذا النّص الإنجيليّ ( الحق الحق أقول لكم : أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات ، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم / يو (6-26) . والمعنى واضح وصريح ، نحن نتذكّر الرّب في أوقات شبعنا وليس في وقت الصعوبات ،فيزيد يسوع ويقول : (لا تعملوا للقوت الفاني ، بل اعملوا للقوت الباقي للحياة الأبديّة، هذا القوت يهبه لكم ابن الإنسان لأنّ الله الآب ختمه بختمه / يو 6 - 27) .
إذاً القوت الفاني يسدّ جوعنا البشريّ ولكن لا يجعلنا متّحدين بالله ، وبالتّالي كما نسعى للقوت الفاني علينا أن نسعى للقوت الباقي للحياة الأبديّة ، الّذي هو الرب يسوع .
والدّليل أنّنا نتذكّر الرّب عندما نشبع ، السؤال الّذي نراه في الآية 30 (فقالوا له : فأية آية تصنع لنرى ونؤمن بك ؟) مع أنّ يسوع كان قد اطعم خمسة آلاف شخص . ويستشهدون بآبائهم الّذين أكلوا المنّ في البرّيّة ، خبزاً نازلاً من السّماء ، ولكن يسوع يقول لهم : (الحق الحق أقول لكم : ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء ، بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم / يو 6-32-33) ومن هو الخبز النازل من السّماء الّذي يعطي الحياة للعالم سوى يسوع المسيح ، وأيّ حياة يعطي غير الحياة الأبديّة ؟
" أنا هو خبز الحياة . من يقبل إلي فلا يجوع ، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدا " (آ35)
المنّ الّذي أكله آباؤنا وساعدهم على الاستمرار في البرّية ليس سوى القوت الفاني ، أمّا خبزنا الحقيقيّ الّذي يحيينا فعلاً هو الخبز النّازل من السّماء ، جسد الرّبّ يسوع المسيح. "
أنا خبز الحياة يقول الرب ، آباؤكم أكلوا المنّ في البرّيّة وماتوا ، ولكن من يأكل الخبز النازل من السّماء لا يموت أبداً (آ48-50) . هو الخبز الحيّ والّذي إذا أكلناه نحيا به إلى الأبد .(الحق الحق أقول لكم : إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه ، فليس لكم حياة فيكم/آ53).
نحن أموات إن لم نتغذّى من جسد الرّب ، لأنّه هو الحياة الحقيقيّة ، وقوتنا الفاني لا يحيينا إلّا مؤقتاً .
"من أكل جسدي وشرب دمي يثبت هو فيّ وأثبت أنا فيه(آ56) . الله يعطينا جسده أيّ يعطينا ذاته ، ويقيم فينا ، يتّحد فينا . ألله يسكننا ، يتّخذنا عرشاً له .
هل ندرك حقّاً هذه الحقيقة ، هل نعي ذلك ونحن نتقرّب لنتناول جسد الرّبّ؟؟
هل ندرك أن قلوبنا وأجسادنا ، هي عرشاً للربّ ؟
لو أدركنا ذلك ، لقضينا حياتنا نعمل لهذا القوت الباقي . من أدرك حقّاً ذلك هم آباؤنا القدّيسون الّذين كانوا يكتفون بالقليل القليل من القوت الفاني ، كان يشبعهم القليل . صبّوا كلّ مجهودهم وتعبهم وكدّهم في القوت الباقي للحياة الأبديّة ، جسد الرّبّ .
نحن ، للأسف لا ندرك ذلك حقّاً ، لأننا نسعى للقوت الفاني ، وهذا القوت ينهك قوانا لدرجة أنه يلهينا عن السّعي للقوت الّذي يحيينا إلى الأبد.
لو كنّا نعي أنّ الله يسكننا لكنّا تقرّبنا إلى المناولة راكعين ، ساجدين ، لكي نستقبل فينا الله. ولما تجرّأنا على فعل الخطيئة لأننا نشرك الله بها. ، ونشوه صورته . نعم نشوّه صورة الله فينا ، لأنه يقيم في داخلنا حقيقة وليس بمعنى مجازيٍّ .
فلنأخذ على محمل الجدّ ما معنى أننا نتناول جسد الرّبّ ، خبز الحياة ، الخبز النّازل من السّماء ، الآية الحقيقيّة ، القوت الباقي للحياة الأبديّة . حتّى نكون كما أرادنا الرّب ، كاملين بغير عيب ، حتّى نستحقّ نيل الحياة الأبديّة .
نحن لا نذهب إلى الحياة الأبديّة ، نحن ندخلها الآن عندما نأكل جسد الرّب .