georgette ادارية
عدد المساهمات : 3446 تاريخ التسجيل : 06/02/2010
| موضوع: توبة الابن الشاطر 14/2/2011, 8:10 pm | |
| توبة الابن الشاطر
في إطار تهيئتنا لاستقبال الصوم الكبير اختارت الكنيسة أن تقـرأ نهار الأحد الذي يسبق أحد مرفع اللحـم مثل "الابن الشاطـر". أمّا العبـرة الكامنـة وراء هذا الاختيـار فتتلخّص بالفكرة البديهيّة القائلـة بأنّ مـَن يرغب بانتهاج الصوم سبيلاً إلى لقاء القائم من بين الأموات فعليه أوّلاً أن يسلك طريق التـوبـة والرجوع عن الخطيئـة. فالمـؤمـن يرى أنّ حياتـه إنّما هي رحلة روحيـّة يسوح فيها في ديـار الـربّ عبـر الصلاة والصوم ومحبـّة القريب وقراءة الكتاب المقدّس والاقتداء بسير القدّيسين... وكلّ هذه ليست سوى وسائل ضروريّة من أجل الوصول إلى هدف وحيد هـو التـوبـة وقبـول الخلاص الآتي.
يلاحظ بطرس خريسولوغوس أسقف رافينّا (+450) أنّ الابن لم ينتظر موت أبيه للحصول على حصّته من الثروة. لذلك رغب في الحصول على ما يمكنه التمتّع به على حساب أبيه وهو حيّ. أمّا لماذا أعطى الأب ما يرغب ابنه في الحصول عليه فيردّه بطرس إلى كرم الأب اللامتناهي: "سخاء الأب أثبت أنّه لم يرفض لابنه الأصغر طلبه". ويعتبر القدّيس أمبروسيوس أسقف ميلانو (+397) أنّ الأب لم يُذنب حين أعطى الابن الأصغر حصّته من الأملاك، ويتابع قائلاً بعد أن يشبّه بيت الأب بالكنيسة: "لو لم يترك الأصغر أباه، لما عرف مصاعب الحياة. سافر مَن غادر الكنيسة إلى بلاد بعيدة وبدّد ميراثه".
يشدّد أمبـروسيـوس أيضًا على كـون ابتعـاد الابن الأصغـر عن أبيـه إنّما هو "ابتعـاد عـن الذات لا عـن المكان. مَـن انفصل عن المسيـح انفصـل عن ذاتـه". ثمّ يضيف هو نفسه قائلاً: "بعد أن كنّا بعيـدين صرنا قريبيـن بـدم المسيـح. فلا نحتقرنّ العائـدين من أرض بعيـدة، لأنّنـا نحـن كنـّا بعيدين أيضًا". ويقرأ أمبروسيوس موضوع "المجـاعـة" التي أصابـت تلـك البـلاد التي ذهب إليها الابن الاصغر قراءة روحيّة، فيقول: "لم تكن مجاعة بسبب قلّة الطعام، بل كانت مجاعة بسبب فقدان الأعمال الصالحة والفضائل. فأيّ جوع أكثر بؤسًا منه؟ مَن ترك كلمة الله جاع: "الإنسان لا يحيا بالخبز وحده، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله" (لوقا 4: 4). مَن ترك الكنز وقع في ضيق. ومَن ترك الحكمة صُعق. ومَن ترك الفضيلة هلك".
يذهب فيلوكسينوس أسقف منبج (+523) إلى القول بأنّ الابن الشاطر، على الرغم من خطيئته، لم يفارقه الروح القدس: "بدّد الابن الأصغر الثروة وأطعم بمال أبيه البغايا. لكنّه لم يفقد لقب الكرامة، أي لقب الابن. أطارت ريح الآثام الإرث الذي تسلّمه من أبيه. لكنّه دعا الله "أبّا". فنعمة الروح القدس، التي تخوّله أن يدعو الله "أبّا" لم تفارقه. إنّا ندعو الله "أبّا" بسلطان الروح القدس الذي هو في داخلنا. واضح أنّ الذين لم يصبحوا أطفالاً لله بولادتهم الجديدة بالمعموديّة لا يسعهم استعمال لفظ أبّا". الابن الأصغر، وفق فيلوكسينوس، هو صورة عن كلّ المعمّدين الذين لم يفارقهم الروح الذي نالوه في المعموديّة. فمهما غالوا في الخطيئة، تبقى مفتوحة لهم أبواب العودة إلى أحضان الآب.
في هذا السياق عينه يحثّ القدّيس أمبروسيوس المؤمنين على الاعتراف بخطاياهم، فالابن الأصغر بدأ عودته إلى أبيه بالقول: "يا أبتِ، إنّي قد أخطأت إلى السماء وإليك. ولستُ مستحقًّا بعدُ أن أدعى لك ابنًا، فاجعلني كأحد أجرائك". يعلّق أمبروسيوس على هذا الاعتراف بقوله: "الله يعرف كلّ شيء، لكنّه ينتظر اعترافك. وهناك مَن يشفع بك، وإلاّ لكان المسيح قد مات لأجلك عبثًا". أمّا بطرس خريسولوغوس فيقول عن استقبال الأب لابنه بالعناق والقُبل: "لم يضرب الأب ابنه، بل صالحه وقبّله. محبّة الأب تغاضت عن معاصي الابن. لم يفضح جرائم ابنه، ولم يذلّه، بل برّأه من خطاياه بقبلة منه، وغطّاها بمعانقته إيّاه. شفى الأب جروح ابنه من دون أن يترك فيه ندبًا أو عيبًا".
يؤكّد القدّيس أثناسيوس بطريرك الإسكندريّة (+373) على عدم فقدان الابن التائب مكانته لدى أبيه: "لـمّا اعترف الابن الأصغر بذنبه صار أكثر جدارةً للفوز بما صلّى من أجله. لم يتّخذه أبوه أجيرًا، ولم يعامله معاملة غريب، بل قبله ابنًا. قبله كميت عاد إلى الحياة. وأهّبه للوليمـة الإلهيـّة، وألبسه الثـوب الفاخر الذي كان يرتديه من قبل". ويتابع أثناسيوس شرحه مقـارنًا سلوك الأب مع ابنه بسلوك الربّ مع التائبين الذين بتـوبتهـم يحـوزون مجـد المسيـح: "بديلاً من الفساد ألبسـه رداء عدم الفساد. ولسدّ جـوعـه ذبـح لـه العجـل المـسمـَّن. يأمر بوضع الحذاء في رجليه لكي لا يتغرّب ثانيةً. والأعجب من ذلك أنّه وضع خاتم الختم الإلهيّ في يده. بهذه الأمور كلـّها يـلده ثـانيـةً على صـورة مجـد المسيـح".
يقول القدّيس كيرلّس بطريرك الإسكندريّة (+444) إنّ الربّ يسوع قد ضرب هذا المثل لأنّ الفرّيسيّين وعلماء الشريعة "احتجّوا على لطف المعلّم ومحبّته للناس. اتّهموه بكلّ إثم لقبوله أناسًا مدنَّسين وتعليمه إياِهم. فأبان لهم أنّ إله الكلّ يطلب من الجميع دون استثناء ءحتّى من الثابتين الصامدين، المقدَّسين والمرتفعين إلى أعلى درجات الثناء في رزانتهمء أن يكونوا جادّين في العمل بمشيئتـه". لقد أتى المسيح ليدعو الخطأة إلى التوبـة، فعلينـا أن نفرح بعودة الخطأة، الذين نحن أوّلهم، ولا نصدّهم بكبرياء لا تطاق. إنّه زمان التوبة، فلننتفع. نقلا عن رعيتي عدد 20 شباط
| |
|