المسيح على الأرض فارتفعوا (10 )

بولادته المجيدة، وحضوره في العالم، أعاد الرّب تصحيح جميع المفاهيم المتعلّقة بالقيم الإنسانيّة. فالقيم بحسب الإنسان اتّخذت مفاهيم عدّة واتّجهت بالفكر الإنسانيّ نحو بناء نظريّات أكثر منها تحقيق مشاركة فعليّة وعمليّة بين البشر، فتستقيم الإنسانيّة وتبلغ ذروتها. وأمّا الرّبّ المتجسّد، فأخرج القيم من إطارها النّظريّ المثاليّ إلى النّطاق العمليّ. فإن تحدّثنا عن العدالة كقيمة يبحث عنها الإنسان، فلن نجد سبيلاً إليها في عالم غارق بأنانيّته وجشعه وسعيه للتسلّط والاستعباد. وإذا تمّ تحقيقها فذلك بشكل جزئيّ مرتبط بقوانين قد تصيب وقد تخطئ. وما هو عادل في مكان ما هو غير عادل في مكان آخر. وإن تكلّمنا عن الحقّ، فكلٌّ يتمسّك بالحقّ الّذي يتوافق ومصلحته الشّخصيّة أو وتأثّره بالمحيط البيئي والاجتماعي والعقائدي. ويعتبر كلّ فرد أو كلّ مجموعة أنّها تمتلك الحقّ، فتفرضه على الآخر بل تهدّد حياته من أجل فرضه. وإن أخبرنا عن البحث عن الحريّة فسنراها غالباً تتجلّى بردّات فعل غرائزيّة، يعبّر عنها كبتٌ مدفون في النّفس الإنسانيّة. أو نرى الإنسان يبحث عن الحريّة كمفهوم فوضويّ يجنح إلى الأنانيّة بل إلى الانفصال عن الجماعة بغية تحقيق الهدف الشخصيّ البحت، بعيداً عن الخير الجماعي. إلى ما هنالك من مفاهيم شتّى للقيم الأخلاقيّة الواجب تحقيقها في المجتمع، إلّا أنّها تبقى ناقصة ونتائجها غير مرضية لأنّها تنطلق من الإنسان الخاضع للنّقص. وأمّا الرّبّ فبتجسّده، حقّق المعنى الأصيل لكلّ قيمة. بل أظهر القيمة العليا الّتي هي المسيحيّة. فالمسيحيّة هي القيمة الّتي تنطلق من الله نحو الإنسان، لتكمّل كلّ ما هو ناقص.

أنت مسيحي، إذن أنت تحمل في ذاتك القيمة العليا والمقدّسة، يسوع المسيح. وحضورك في العالم حضور يعكس صورة الله، ويُحوّل كلّ شيء باتّجاه المسيح. بمعنى آخر، يمرّ المسيحيّ في العالم ليُمَسْحِنَهُ، أيّ ليطبعه بالمسيحيّة القيمة العليا.

» المسيح على الأرض فارتفعوا (9 )
» المسيح على الأرض فارتفعوا (4 )
» المسيح على الأرض فارتفعوا (5 )
» المسيح على الأرض فارتفعوا (18)
» المسيح على الأرض فارتفعوا (17)