إنّ حياة يسوع المسيح خير مثال لأيّ عمل نريد الإقدام عليه ، وخير مرجع لسلوكيّات حياتنا في أيّ موقع أو منصب كنّا.
مقدّمة هذا النّصّ الإنجيليّ مذهلة ومدهشة بالنّسبة لما سنتعلّمه من الرّبّ عن أهمّيّة المعلّم والسّيّد من خلال السّلوكيّات والتّصرّفات .
وكان يسوع يعرف أنّ الآب جعل في يديه كل شيء ، وأنّه من عند الله خرج ، وإلى الله يمضي . ( آ3)
يسوع ، المعلّم والسّيّد يعلم تماماً من هو ، ويدرك تماماً اتّحاده بالآب ، وواثق أنّه الحقّ والطّريق والحياة . ومن هذه العظمة ، ينطلق يسوع ليعلّم تلاميذه عمليّاً كيفيّة التّصرّف كمعلّمين وأسياد.
قام عن العشاء ، وخلع ثيابه ، وأخذ منشفة واتزر بها ثم صب ماء في مغسل ، وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزرا بها (4-5). هذا الكلام يخرج عن المنطق البشري ، إذا ما تأمّلنا جيّداً بمكانة السّيّد ، ومشهد قويّ قد لا تحتمله قلوبنا ، ونحن نرى ربّ الأرباب وملك الملوك ينحني ليغسل أرجلنا !!!. وإذا دخلنا في التّفاصيل الصّغيرة ، يجب أن نعلم أنّ التّلاميذ ما كانوا يسكنون القصور ، وما كانوا جاهزين لهذا العمل ، لا بل كانوا يتنقلون سيراً على الأقدام مسافات طويلة .... وانحنى السّيّد من عليائه وغسل أرجل التّلاميذ ، حتّى يهوذا !!!!
ويبادر لفكرنا للوهلة الأولى تواضع يسوع ، ولكن الموضوع أبعد من ذلك ، هو سلوك فعليّ ، تعبير حقيقيّ عن الخدمة في المحبّة . لأنّ يسوع فعل ما فعل ببساطة وبدون مقدّمات ، ولنتذكّر ، وهو يعرف أنّ الآب جعل كلّ شيء بين يديه ، وأنّه من عند الله خرج وإلى الله يمضي.
بطرس لم يحتمل فكرة أنّ يسوع ينحني ليغسل رجليه ، رغم أنّ بطرس لم يكن يعي أهمّيّة يسوع كما نعيها نحن اليوم ، هذا إن كنّا نعي ذلك . ونفهم تصرّف بطرس ، وردة فعله ، ولكن يسوع يردّ ويقول : "أنت الآن لا تفهم ما أنا أعمل ، ولكنّك ستفهمه فيما بعد" ( 7) . وسيفهم ذلك بطرس يوم سيبدأ فعليّاً بالاعتناء ببيعة الرّبّ .
أصرّ بطرس ، فيجيب يسوع ، إذا كنت لا أغسلك ، فلا نصيب لك معي " ( 8). لا مكان للمتعالين في جماعة الملكوت ، لا مكان للأسياد الزّائفين ، لا مكان للأسياد الّذين يريدون من يخدمهم ، ولا مكان لمن يتنافسون على المناصب لتوظيف من يخدمهم.
كان على من هو الصّخرة ، أن يتدرّب على كيفيّة الخدمة في المحبّة ، لأنّ سلطته ليست تسلّط ، وإنّما خدمة.
فلما كان قد غسل أرجلهم وأخذ ثيابه واتكأ أيضا ، قال لهم : أتفهمون ما قد صنعت بكم أنتم تدعونني معلما وسيدا ، وحسنا تقولون ، لأني أنا كذلك فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم ، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض .(12-17) .
يسوع لا يعظ فقط وإنّما يطبّق عمليّاً ، فالمسيحيّة ليست نظريّات ، وإنّما هي منهج حياة . إذا كان السّيّد والمعلّم ينحني أمامنا ، فلا عذر لنا على الإطلاق .
لا عذر لمن هم مسؤولين عنّا ، مدنيّاً ، روحيّاً أو اجتماعيّاً ، ولا مبرّر لتسلّطهم ، لأنّهم ليسوا أعظم من السّيّد .
أن تكون سيّداً ، يعني أن تكون خادماً ، فهذا ما يرفع من شأنك ، وهذا ما يجعلك أميناً على رعيّتك .
إذا ما اعتليت منصباً أو مركزاً مرموقاً ولن يكون بمستوى سيّدك ومعلّمك وربّك، لا تنسى أن تنحني لتخدم من هم تحت رعايتك لتستحقّ مكانتك ، ولكي لا تكون أعظم من سيّدك ومعلّمك ، الرّبّ يسوع .