يعطينا الرّب في النّص الإنجيليّ ( يسوع والمرأة السّامريّة ) (يوحنا 4-1-39) خير مثال للحوار.
يبادر بالحوار مع امرأة سامريّة ، رغم العداء الشّديد بين اليهود والسّامريين ، رغم أنه متعب من السّفر كما يقول كاتب الإنجيل ، ويجلس على حافة البئر . وكان الوقت نحو الظهر ، أي أنّه متعب ولا بدّ أنّه جائع أيضاً. وعلى الرغم من التّعب والجوع ، بادر بالحوار مع السّامرية الآتية لملئ جرّتها من البئر .
ولنلاحظ كيف يبدأ الرّب الحوار بسؤال بسيط وطبيعيّ أجبر به السّامريّة على الرّد والاندهاش من طلبه وهو اليهوديّ الّي من المفروض أنّه لا يخالط السّامريين. وجواب الرّب جذب السّامريّة للدّخول في الحوار.
ردّها كان ساذجاً ، إذ وهو يعرض عليها ماء الحياة أجابته بأنّه لا يملك دلواً ... ورغم ذلك تابع يسوع الحوار ، ويقول : أما من يشر من الماء الّذي أعطيه أنا فلن يعطش أبداً . وللمرة الثّانية أتى ردّ السّامريّة بسيط ونلاحظ أنّها لم تفهم ماذا يعني " لا يعطش أبداً " وطلبت من هذا الماء كي لا تعود مجدّداً إلى البئر.
ويكمل يسوع الحوار ولا يستهزئ من بساطتها ، ولا ينفر من ردودها ولا يتأفّف من عدم فهمها ، بل يطلب منها ان تدعو زوجها مع أنّه يعلم أنّ لا زوج لها ، ولكنّه لا يدخل الحوار بأحكام مسبقة . وتجيب السّامريّة ببساطتها وصدقها ، ويصدّق يسوع على أقوالها ويثني على صدقها. وهنا بدأت السّامريّة تنجذب أكثر إلى الحوار معه وتتلمّس أنّه نبيّ ، وتقدم على أوّل سؤال عن عبادة الله. ونرى يسوع يعطي سؤالها أهمّيّة ويأتي ردّه عميقاً وواضحاً : " تأتي ساعة ، بل جاءت الآن يعبد فيها الصّادقون الآب بالرّوح والحقّ "
استنارت المرأة من هذا الحوار ، وسألته عن المسيّا وأجابها : " أنا هو الّذي يكلّمك " . وهنا توقّف الحوار لأنّه بلغ هدفه ، فتركت المرأة جرّتها ، ولم تعد عطشة ، ولم تهتمّ بملئها ، بل هرعت تبشّر بالمسيح ، وعادت بعدد من المؤمنين به ...
هذا الحوار الهادئ مع امرأة بسيطة ، والأهم أنها ليست يهوديّة حقّق نتائج رائعة.
تعالوا نقارن حواراتنا أو بالأحرى ما نسمّيها حوارات وهي ثرثرات ، بالحوار بين يسوع والسّامريّة .
كيف نبادر بالحوار مع الآخر ؟ نحن لا نبادر للأسف ، نحن نتهجّم ، نرشق اتّهامات ، نستهزئ بالآخر خاصّة إذا كان مختلفاً عنّا ، نتكبّر عليه وندّعي المعرفة أكثر منه ، بدل أن نوصل له المعرفة ببساطة . نعاند لنقنعه بالقوّة بأفكارنا ، وإن لم يقتنع نرذله وتبدأ المشاحنات والاتهامات والرّشق بأحكام مسبقة .
كيف نقرأ إنجيلنا ؟ ما الّذي نتعلّمه من يسوع ونحن نعلن كلّ يوم إيماننا به؟
للأسف نحن نقرأ حروفاً وننسى أنّها روح وحياة ، نتمسّك بكلمات وننسى صاحب الكلمات.
المسيحيّة ، ليست كلمات على صفحات فارغة ، المسيحيّة طريقة حياة ، رقيّ فكريّ ، إنفتاح على الآخر ، محبّة ، صبر ....
كم هو إيماني ضعيف حين أراك يا إلهي ولا اتمثّل بك،
كم إيماني ضعيف حين تصبر عليّ وتحترم سذاجتي ، ولا أصبر على أخي وأستهزئ به،
كم إيماني ضعيف عندما أعلم أنّك تصغي لي دوماً ولا أحتمل الإصغاء لأخي
كم إيماني ضعيف حين أقرأ كلماتك ولا أدرك عمقها
وكم إيماني ضعيف أمامك أيّتها السّامريّة الصّالحة ، لأنني كل يوم أعلن إيماني بالرّب ولا أترك جرّتي وأذهب لأبشّر به.