الوقت، تأمل من كتاب الأيادي الضارعة

خرجتُ يارب، تطلعتُ إلى الخارج، رأيت الناس كلهم يخرجون، يذهبون، يأتون، يمشون، يركضون...

الدراجات تركض، السيارات تركض، الشارع يركض، المدينة تركض، يركض العالم كله...

يركضون جميعاً، لكي لا يضيع الوقت، يركضون وراء الوقت، لكي يقبضوا على الوقت، لكي يربحوا الوقت...

"مع السلامة"... اعذرني: ليس لدي وقت... أمرّ بك مرة أخرى، لا يمكنني الانتظار: ليس لدي وقت... أود أن أساعدك ولكن: ليس لدي وقت... لا أستطيع أن أفكر، أن أقرأ، أشغالي فوق رأسي: ليس لدي وقت... أود أن أصلي ولكن: ليس لدي وقت...

انظر إليهم يا رب: ليس لديهم وقت... التلميذ عليه أن يكتب فروضه، ليس لديه وقت، إنه يؤجّل... الشاب، إنه يمارس الرياضة، ليس لديه وقت، إنه يؤجّل... العريس، عليه أن يجهّز بيته الجديد، ليس لديه وقت: إنه يؤجّل... رب العائلة، يجب أن يعتني بأولاده، ليس لديه وقت: إنه يؤجّل... الأجداد، عليهم الاهتمام بأحفادهم، كما أنهم مصابون بمرض، عليهم مداواته، ليس لديهم وقت: إنهم يؤجّلون... فات الأوان: ليس لديهم وقت إلى الأبد...

هكذا البشر جميعاً يركضون وراء الوقت، يا رب... يقضون عمرهم على الأرض وهم يركضون، مستعجلين، متبلبلين، منهوكين، غارقين إلى ما فوق آذانهم... لا يصلون إلى غايتهم المنشودة: الوقت ينقصهم... بالرغم من جميع جهودهم: الوقت ينقصهم...

لا شكَّ أنك أخطأت، يا رب، في حساباتك... الساعات قصيرة جداً، الأيام قصيرة جداً، الأعمار قصيرة جداً...

لا، أنت تدري ما تعمل، يا رب... أنت لا تخطئ في توزيعك الوقت على البشر... أنت تعطي كلّاً منا الوقت الكافي لكي يعمل ما تريد منه أن يعمل... فلا يحق له أن يضيّع هذا الوقت، أن يبعثره، أن يقتله، لأن الوقت هديةٌ منك...

أنا، يا رب، لديّ وقت... وقتي كله لي... كل الوقت الذي تعطيني، سنواتُ حياتي كلها، الأيام والساعات التي تؤلف سنين حياتي، عليَّ أن أملأها بانتظام وأمان، أن أملأها كلها، حتى الطفح، كي أرفعها إليك...

وأنت من مائها التفه، تصنع الخمر السخيّ...

أنا لا أطلب منك، يا رب، أن تعطيني الوقت، لكي أعمل هذا وأعمل ذاك... بل أطلب منك النعمة أن أعمل بكل دقة، في الوقت الذي تعطيني أنت، ما تريد مني أن أعمل...