ولد القديس سلوان الآثوسي في روسيا الوسطى عام 1866، وكانت عائلته عامية فلاّحة. كان إنساناً بسيطاً، قوي البنية، هاجس الإلهيات لم يغادره منذ الطفولة. في التاسعة عشرة من عمره احتدّت روح الرب فيه فكان كثير الصلاة يبكي خطاياه. واستمر هكذا ثلاثة أشهر. مذ ذاك، اتجه ذهنه ناحية الرهبنة، لكنه انتظر نهاية خدمته العسكرية.وصل إلى دير القديس بندلايمون في جبل آثوس في خريف 1892. هناك سلك في الطريقة التي يسلك فيها جميع الرهبان: صلوات في القلاية، صلوات في الكنيسة، أصوام، أسهار، اعترافات، مناولة، قراءة، عمل وطاعة. شهادات الرهبان عنه كانت طيبة. خدم في مطحنة الدير. قلةٌ عرفته معرفة جيدة. ومن هذه القلة تلميذه الأرشمندريت صفروني الذي كتب سيرته وجمع أقواله واهتم بإبراز قداسة سيرته إلى أن أعلن المجمع القسطنطيني قداسته في تشرين الثاني عام 1987.
جاء في بروتوكول إعلان قداسته الذي صدر عن البطريرك المسكوني ديمتريوس والمجمع القسطنطيني المقدس: "..تفوق.. في الفضيلة، جاعلاً نفسه بالورع وقداسة السيرة أنموذج حياة في المسيح يحتذى وأيقونة حية للفضيلة... أظهر نفسه معلماً رسولياً ونبوياً للكنيسة وللمؤمنين.. بلغ قامة روحية عالية وأضحى إناء للروح القدس يمارس محبة نادرة.. شرّفه الله بمواهب شفاء المرضى والمتألمين وبحدس عجيب...".
كان في صلاته لا يكف عن ترداد هذه الكلمات: "كيف أشكرك، ربي، على نعمك الجزيلة؟! فلجاهل ولخاطئ أنت تكشف أسرارك. العالم يلفه اليأس وإلى الهلاك يمضي، وأنت تفتح لي أبواب الحياة الأبدية، أنا، آخر الكل وأسوأ الجميع! أيها السيد ليس في وسعي أن أخلص وحيداً فهب العالم كله أن يعرفك!".كان رقاده هانئاً في الرب في 24/أيلول/1938.
خبرة مع القديس سلوان
عند الحديث عن الرهبان وحياتهم، يمكن أن يذهب الفكر إلى اتهامهم بالكسل وأن حياتهم بلا هدف. ويحدث هذا عندما نرى الأمور من الخارج. لأنه البعض فقط يعرف الحرب اللامنظورة والغير المنقطعة التي يتعرض لها الرهبان هذه الحرب هي فوق الطبيعة وغير منظورة، وليست ضد القوى الشيطانية رؤساء الظلمات فقط بل أيضاً ضد الرغبات الجسدية والأهواء يصف القديس سلوان هذه الحرب، في كتاباته، وكيف أودت به لليأس. لكن وفي اللحظات الصعبة لهذه الحرب ضد أهوائه، ظهرت له والدة الإله، وساعدته للتخلص من هذه الأفكار القذرة والرغبات الجسدية.وأيضاً ظهر له السيد وشدده لينتصر على الأرواح الشريرة والحروب الفكرية. فوقف منتصراً، بعد ربع قرن من الصلاة والنسك والجهادات الروحية ونعمة الله، في هذه الحرب. ووصل لمعرفة الله، ومن تلميذ صار معلماًمرة سُؤل القديس سلوان: "أيها الأب سلوان، ألا يجلب هذا العالم لنفسك ولصلاتك الاضطراب؟ أليس من الأفضل أن تذهب إلى كهف بعيد عن الناس؟"، فيجيب القديس سلوان أنا أعيش في كهف : جسدي هو كهف لنفسي، ونفسي هي كهف للروح القدس. و أنا أحب شعب الله وأخدمه، دون أن أخرج من كهفِ نرى القديس يتحدّث عن الله بطريقة وكأنه يتكلم عن صديق يعرفه بشكل كبير: "أنا أعرف الله، هو حنون وصالح وسريع الاستجابة". وعندما سمع أحد الرهبان هذا الحديث للقديس سلوان فقال عنه بأنه فقد مخافة واحترام الله. لكن لاحقاً عندما قرأ بذاته كتابات القديس غيّر رأيه وقال: "تقدّم الأب سلوان ووصل لمستوى آباء الكنيسة بالفعل هكذا كانت كتابات القديس سلوان هي استمرار لنَفَس الآباء بلغة عصرنا. حتى أنه كتب أشياء أخرى جديدة كعبارة: "ضع ذهنك بالجحيم ولا تيأس" إذا بها يحث ويشجع للتغلب على الكآبة والحزن وقال عبارة أخرى هامة: "المحبة فوق المعرفة (العلمية)" كان يرددها يومياً وكانت أساس كل تعليمه. بمحبته المرتبطة مع دموعه بواسطة الصلاة، ساعد الخطأة على التوبة، سند الضعفاء، أصلح الذين عملوا السيئات، شفى المرضى، وأعطى السلام للمضطربين قال له أحد الآباء مرة أن الرهبان الروس يتعرضون للإضطهادات بسبب الحكم الشيوعي. فأجاب: "وأنا في البداية جاءني هذا الفكر. لكن بعد صلوات طويلة جاءني هذا الفكر: الله يحب الكل كثيراً. هو يعرف أزمنة ومخططات كل واحد. وهو سمح أن يُجرب الشعب الروسي لشيء حسن بالمستقبل. أما أنا فلا أستطيع أن أفعل شيء ولا بإمكاني إيقافه. يبقى لي صلاتي ومحبتي. وأقول للذين يراودهم هذا الفكر: أنت تستطيع أن تساعد روسيا بالصلاة والمحبة. أما الغضب والصراخ على الملحدين فلا يصلح الأمور