إحياء لعازر(يو 11/1,44)
الإيمان المسيحيّ بالأساس ليس إيماناً بحقائق كوجود الله أو الآخرة أو تطبيق مبادئ الشّريعة وحسب، فهذه الأمور لا تغيّر عمق الإنسان ولا تبدّل كيانه. غالبيّة النّاس تؤمن بالله والحياة الثّانية، والشّعوب القديمة الوثنيّة كانت تؤمن بالحياة الثّانية وفكرة الإله الواحد كانت حاضرة عند بعضهم. ولكن الإيمان المسيحيّ هو إيمان بشخص المسيح، ومن آمن به، آمن تلقائيّاً بكلّ تلك الأمور وإلّا لكان يكفينا الالتزام بالوصايا ولما كان من داعٍ لتعاليم الكنيسة والإنجيل. من آمن بالمسيح فهم في قلبه وقبل معنى الوجود الإلهيّ، ومعنى الحياة الأبديّة.
الإيمان هو حبّ، علاقة حبّ بين المسيح والإنسان. وعندما نتكلّم عن علاقة حبّ مع المسيح علينا أن ننسى كلّ ما نعرفه نحن البشر عن الحبّ، لأنّنا لا نعرف إلّا الحبّ المشروط والمرتبط بمصالح معيّنة وإن كانت إيجابيّة. وأمّا الحبّ الّذي نتكلّم عنه هو الحبّ المرتبط بالحبّ فقط. لم يمنحنا المسيح ذاته باستحقاق منّا، ولم نفعل شيئاً ليخرجنا من قبور نفوسنا، لقد فعل ما فعل لأنّه أحبّنا أوّلاً. لم نقدّم شيئاً ولا نملك ما يرتقي إلى جلالة الله حتّى نقدّمه، ورغم ذلك اشتاق الله إلينا فتنازل وصار إنساناً لأجلنا، بل تألّم ومات وقام حبّاً بنا فقط وفجّر في صحراء قلبنا ماء السّماء.
الحبّ يبدّل الحياة الإنسانيّة بفكرها وسلوكها ومسيرتها الحياتيّة، فيخلق الإنسان من جديد، ويهبه روحاً تسمو به أبداً إلى العلا. الحبّ يوجّه الحياة الإنسانيّة إلى كلّ ما هو صالح وخيّر، وينمّي في داخلها الحكمة والاتّزان فتثبت في عالم ينزع إلى الاضّطراب والهلاك. الإيمان الحبّ، هو الإيمان بشخص المسيح الّذي نرتبط به فنفهم كلّ حقائقه ونعيشها ونثق مطلقاً أنّ من يحيا الحبّ من أجل الحبّ لا يموت أبداً. فالحبّ حياة والحياة كالماء الدّافق لا يمكن لشيء أن يقف في طريقه.
الإيمان الحبّ هو تصديق ما يقوله يسوع المسيح دون شكوك وتساؤلات غير جديرة بهذا الحبّ، والدّخول في تفاصيل تقلّل من قيمة هذا الحبّ العظيم. نحبّ المسيح فنصدّقه وهو القائل: " أنا الطّريق والحقّ والحياة". ( يو6:14). هو الطّريق، والسّير في طريق مخالف ضياع. هو الحقّ والبحث عن الحقائق خارجاً عنه ضلال. هو الحياة وكلّ حياة خارجة عنه موت وهلاك. من يبني علاقة حبّ مع المسيح يعاين مجد الله، كذا قال الرّبّ لمرتا المضطربة والحزينة على موت أخيها لعازر. " أما قلت لك إن آمنت تشاهدين مجد الله؟" ( يو 40, 11). هذه العلاقة الحميمة هي الصّلة بين المسيح والإنسان فبحبّ المسيح يرى ويتكلّم ويطهر ويشفى من كلّ علّة، جسديّة كانت أو نفسيّة أو روحيّة. بالحبّ خلّصنا المسيح وبالحبّ حمل آلامنا وخطايانا، ومن شدّة الحبّ مات من أجلنا وبقوّة الحبّ قام وغلب الموت.
" لعازر، أخرج!" صاح الرّبّ؛ إنّه صوت الحبّ الصارخ، والمدوّي حياة وحقّاً. لعازر الّذي أنتن جسده وصار في عالم الأموات إلّا أنّه لا يمكن أن يصدح صوت المسيح الحبّ ولا يرتعد الموت وينهزم. وحياتنا بعيداً عن المسيح موت، ودخول إلى قبر دامس لا يفهم معنى النّور، فتنتن نفوسنا لأنّها متباعدة عن المسيح الحياة والحبّ.
المسيح هو الحبّ الأعلى، نبع الصّفاء المتفجّر من أعالي السّماء حتّى يروي قلوبنا العطشى وينير نفوسنا السّاكنة في الظّلمة ويفتح أذهاننا الغليظة والبطيئة الفهم. المسيح هو الحياة وقوّتها الّتي تنتشلنا من عتمة القبور وتخرجنا إلى ضياء الوجود، هو الحقّ المتجلّي شخصاً حتّى تعاين كلّ نفس مجد الله.