إن الموسيقى البيزنطية اصطلاحاً هي الموسيقى الكنسية الطقسية التقليدية التي تستخدم من قبل طائفة الروم الأرثوذكس و الروم الكاثوليك، و هي نظام موسيقي عريق بدأ مع بداية المسيحية و تطور باستمرار عبر التاريخ و يستمر إدخال التطويرات و التعديلات عليه حتى اليوم. يستعمل هذا النظام الموسيقي في الكنائس الأرثوذكسية و الكاثوليكية في المشرق العربي و اليونان و بعض مناطق أوروبا الشرقية و قبرص و أفريقيا، و كذلك يستعمل في دول الاغتراب في القارة الأمريكية و الأسترالية في الكنائس التي تتبع للكرسي الإنطاكي أو للكنيسة اليونانية.
يدعى هذا النظام الموسيقي “البيزنطي” الذي قد يبدو لأول وهلة أنه يشير إلى الحضارة البيزنطية ( حضارة الروم الشرقية ) و قد أخذت اسمها من اسم المدينة “بيزنطة” و هي المدينة التي شيدت مكانها مدينة القسطنطينية. لكن الواقع أن هذا الاصطلاح لا يشير بأي شكل من الأشكال إلى موسيقا إمبراطورية روما الشرقية بل يشير اصطلاحاً إلى الموسيقا الكنسية المستعملة في الكنائس الشرقية، هذا بالإضافة إلى أنه كان لغير اليونان من أبناء دول الشرق و أبناء سورية على الخصوص دور هام جداً في وضع أسس و تطوير هذا النظام الموسيقي.
الأساس الذي نشأت عليه الموسيقى البيزنطية :
الموسيقى قديمة جداً في الحضارة البشرية و قد وجد ناي مصنوع من العظم يعود إلى ما قبل نحو 32000 سنة، أي في وقت ظهور أقدم عمل فني ( تمثال ) معروف، و منذ بداية ظهور ما يسمى بالإنسان العاقل المبكر. إنما لظهور نظام موسيقي متطور و بحث موسيقي و تدوين موسيقي كان لا بد من انتظار اختراع الكتابة.
نعلم اليوم أن أول ظهور لبحث علمي حول الموسيقا كان في الحضارة الأكادية في بلاد ما بين النهرين و ذلك حوالي القرن التاسع عشر قبل الميلاد، حيث عثر على رُقُم توضح السلالم و تصنيف الألحان الموسيقية، و من هناك انتقل هذا النظام إلى مختلف أرجاء العالم، و عن طريق حضارة شرق المتوسط التي أعطتنا أقدم تدوين موسيقي و أقدم قطعة موسيقية معروفة في العالم ( في أوغاريت ) انتقل علم الموسيقا إلى الإغريق عبر العالم الشهير فيثاغورَس و من حضارة الإغريق انتقل إلى أوروبة. و قد تعلم اليهود العبرانيين أيضاً هذا النظام الموسيقي و أنشدوا به المزامير.
الموسيقا الكنسية منذ بدايات المسيحية حتى القرن الرابع :
في بدايات المسيحية استعمل المسيحيون نفس الموسيقى الموجودة عند اليهود، إذ كان المسيحيون يرتلون في طقوسهم المزامير بنفس الألحان القديمة المستعملة عند اليهود بأسلوب يدعى “التنغيم البسيط”. كما أخذ المسيحيون بدورهم بتأليف تراتيل جديدة سميت ( المزامير الخاصة ) وصلنا منها ترتيلة “يا نوراً بهياً” التي تقال في صلاة الغروب حتى اليوم و الذي تعد أقدم ترتيلة مسيحية وصلت إلينا، و كذلك المجدلة “المجد لك يا مظهر النور”.
كان المرنمون ينشدون المزامير و يرد عليهم الشعب بلازمة مثل “فإن إلى الأبد رحمته. هلوليا” أو ” المجد لك يا إلهنا المجد لك” …الخ أما في جماعات الرهبان الناشئة ( الثيرابيين ) فكان كل يرتل بدوره و يرد عليه الجميع. التدوين الموسيقي كان بنفس أسلوب اليهود باستعمال الحروف الأبجدية، كذلك استخدم المسيحيون الاساليب اليونانية في التدوين التي تعتمد أيضاً على الحروف الأبجدية.
من القرن الرابع حتى القرن الرابع عشر :
في القرن الرابع ظهرت بعض الخلافات العقائدية بين المسيحيين حول طبيعة السيد المسيح و قد عمد القديس افرام السرياني الذي كان شاعراً بارعاً إلى مجابهة الهرطقات بتأليف التراتيل و تلحينها و تعليمها و من أجل هذه الغاية ظهرت الحاجة إلى وضع نظام للموسيقا الكنسية، فاستشار علماء الموسيقا في عصره و عمد إلى الأخذ عن الموسيقا الفارسية المبنية على اثني عشر لحناً ( اثني عشر مقاماً ) و هي مأخوذة بدورها عن موسيقا بلاد بين النهرين.
يمكن أن نعد القرن الرابع ( تاريخ إعطاء حرية العبادة للمسيحيين ) تاريخ ميلاد الموسيقا الكنسية الحقيقي إذ في ذلك القرن قام مجمع اللاذقية ( غير اللاذقية السورية ) الذي وضع قوانين هامة تخص تنظيم الترتيل الكنسي، كما نشأت الجوقات و نظام الترتيل على أساس جوقتين ترتلان بالتناوب، و ظهر شكل محدود من تعدد الأصوات بالموسيقا يقوم على غناء الأولاد و الرجال معاً ( باعتبار أن طبقة صوت الأطفال غير طبقة الرجال ). و في هذه الحقبة ظهرت الطروبارية و هي شكل من أشكال التراتيل الكنسية المقتضبة التي تعبر عن العيد الكنسي الذي تقال في مناسبة تذكاره.
في القرن السادس أول من وضع نظاماً موسيقياً مبنياً على ثمانية ألحان هو سويرس السرياني أسقف إنطاكية و تم توزيع الألحان إلى أربع ألحان أصلية و و أربع ألحان مشتقة. اللحن يعني تصنيفاً موسيقياً يُعتمد في تحديده على السلم الموسيقي و المجال اللحني و درجة القرار النهائي، و هكذا تكون جميع التراتيل التي يتبع لحنها مجالاً لحنياً معيناً أو قراراً معيناً ضمن نفس اللحن أي ضمن نفس التصنيف اللحني.
السلم الموسيقي المستخدم في هذه الفترة كان نفسه سلم بلاد الرافدين القديم ( الفيثاغوري ) الشبيه إلى حدٍ ما بالسلم الغربي الحديث، و كان التصنيف اللحني في هذه الفترة يستند على ما يبدو إلى قرار اللحن و هنالك أكثر من مدرسة في تحديد طريقة تصنيف الألحان القديمة حسب القرار، و الجدير بالذكر أن التصنيف اللحني القديم في بلاد الرافدين و الشرق الأدنى كان يستند إلى المجال اللحني فحسب و لم يكن يعطى قرار اللحن أي أهمية.
اللحن[
| القرار الختامي
| اللحن
| ]القرار الختامي
|
الأول
| ره
| شقيق الأول
| صول
|
الثاني
| مي
| شقيق الثاني
| لا
|
الثالث
| فا
| شقيق الثالث
| سي
|
الرابع
| صول]
| شقيق الرابع
| دو
|
تصنيف الألحان القديمة حسب ما ترتئيه مدرسة كوبنهاغن موضحاً بأسماء درجات السلم الغربي