قالَتِ المَرأةُ: ((أرى أنَّكَ نَبِـيٌّ، يا سيِّدي!
آباؤُنا عَبَدوا اللهَ في هذا الجبَلِ، وأنتُمُ اليَهودُ تَقولونَ إنَّ أُورُشليمَ هيَ المكانُ الّذي يَجِبُ أنْ نَعبُدَ اللهَ فيهِ)).
قالَ لها يَسوعُ: ((صدِّقيني يا اَمرَأةُ، يَحينُ وقتٌ يَعبُدُ النّـاسُ فيهِ الآبَ، لا في هذا الجبَلِ ولا في أُورُشليمَ.
وأنتُم السّامِريّـينَ تَعبُدونَ مَنْ تَجهَلونَهُ، ونَحنُ اليَهودَ نَعبُدُ مَنْ نَعرِفُ، لأنَّ الخلاصَ يَجيءُ مِنَ اليَهودِ.
ولكِنْ ستَجيءُ ساعَةٌ، بل جاءَتِ الآنَ، يَعبُدُ فيها العابِدونَ الصادِقونَ الآبَ بالرُّوحِ والحَقِّ. هَؤلاءِ هُمُ العابِدونَ الّذينَ يُريدُهُمُ الآبُ.
اللهُ رُوحٌ، وبالرُّوحِ والحَقِّ يَجِبُ على العابِدينَ أنْ يَعبُدوهُ)).
قالَت لَه المَرأةُ: ((أعرِفُ أنَّ المَسيَّا، (أي المسيحَ) سيَجيءُ. ومتى جاءَ أخبَرَنا بِكُلِّ شيءٍ)).
قالَ لها يَسوعُ: ((أنا هوَ، أنا الّذي يُكلِّمُكِ)).
(يوحنا 4/19.26)
~~~~~~~~~~
ألمسيحيّة هي الدّخول في علاقة حميمة وعميقة مع الله . هي قصّة حبّ بين الله والإنسان . وتفترض هذه العلاقة شركة حقيقيّة بين الإنسان وبين هذا الحبّ المطلق ، فيحيا بحرّيّة من خلاله ، ويسير في هذه الحياة سالكاً طريق المحبّة ، هدفه بناء علاقة عاموديّة مع الله وعلاقة أفقيّة مع أخيه الإنسان ، فيصلب على صليب الحبّ كما معلّمه وربّه ، ليموت معه ويقوم إلى المجد.
لمّا أقرّت المرأة السّامريّة وقالت : " أرى أنّك نبيّ يا سيّدي ."، دخلت في الحقيقة ، كما أنّها دخلت في علاقة عميقة مع الله . وفي الواقع قال الرّبّ يسوع : " لا أحد يصل إلى الآب إلّا بي" . وهذه السّامريّة الصّالحة عرفت الله ، عندما عرفت يسوع المسيح . ولن نصل إلى معرفة الله ما لم نعرف يسوع المسيح ، وما لم ندخل معه بعلاقة حميميّة عميقة ، ونختبره بشكل شخصيّ.
سألته عن العبادة وعن المكان الّذي نلتقي به بالله . فيردّ يسوع بأنّ عبادة الله تجوز في أيّ مكان . لقد خرج يسوع عن نطاق المكان ، لأنّ الله ، لا يُحدٌّ بمكان ، بل الكون كلّه لا يحتوي هذا الحبّ المطلق . أراد الرّبّ أن ينتقل معها ومعنا من المكان الثّانويّ إلى قيمة المكان . إنّ الله يرتضي العبادة بالرّوح والحقّ .
ألعبادة بالرّوح ، هي اللّقاء بيني وبين الله ، الّذي يتمّ بالرّوح القدس والّذي يقول فيه بولس الرّسول : نحن لا نعرف كيف نصلّي ، لكنّ الله أعطانا روحه ننادي به يا أبانا . وهذا الرّوح القدس يعلّمنا كيف نصلّي ، ويعضد ضعفنا بالصّلاة ، ويشفع بنا لدى الله .
ألرّوح القدس يحقّق تأوين عمل الله الخلاصيّ الّذي حدث منذ زمن ، وبخاصّة سرّ الفصح ، ذبيحة يسوع المسيح الّتي تمّت منذ ألفي سنة . إنّ الرّوح القدس يجعلها حاضرة الآن ، فلولاه لكانت هذه الذّبيحة مجرّد تذكار وخبرمن الماضي. لذا ، العبادة الحقيقيّة ، هي بالرّوح ، ولا أدخل بعلاقة مع عمل الله الخلاصيّ ومع سرّ موته وقيامته إلّا بالرّوح القدس الّذي يجعلني في حضرة هذا الحدث الّذي حصل مرّة واحدة في التّاريخ ولكنّه مستمرّ حتّى نهاية العالم .
ألعبادة بالحقّ ، هي الّتي تتمّ بيسوع المسيح ، فادي الإنسان ، والوسيط الوحيد بين الله والنّاس . فيسوع هو الكلمة الّتي أعلنت للعالم الحقيقة ، وهو كلمة الخلاص الكاملة . هو الّذي يعطي النّعمة الشّافية للإنسان وينتشله من عبوديّاته . فأعتق الأبرص من برصه ، ووهب البصر للأعمى ، وأقام المائت ، وحرّر الزّانية من عبوديّة جسدها ، ووهب الإنسان شفاء الرّوح ،بغفران الخطايا . هو الكاهن الأعظم الّذي أشركنا بكهنوته من خلال المعموديّة ، ونراه منظوراً في كهنة العهد الجديد . وبما أنّنا شركاء في كهنوته ، بالتّالي نحن ملتزمون بالعبادة والشّركة .
أهّلنا يا ربّ أن نعرفك ، كما عرفتك هذه السّامريّة الصّالحة ، فندخل في علاقة حميمة معك ، نصل من خلالها إلى ملء قامتك ، فنسير معك ، نحيا بك ، نموت معك على صليب الحبّ لنقوم معك إلى حياة جديدة ، أيّها الحبّ المتجسّد من أجلنا ، الّذي يليق لك كلّ المجد والإكرام مع أبيك وروحك الحيّ القدّوس ، ألآن وكلّ أوان وإلى دهر الدّاهرين . أمين .