القديس رومانوس المرنم العذب
نص: عائلة الثالوث القدوس
الخدم الكنسية التي نسمعها في كنيستنا اليوم قديمة جداً. نسمع اليوم الكلمات والصلوات والترانيم عينها التي كانت تُتلى مُنذُ 1000 سنة أو حتى 1500 سنة، ولو بلغةٍ مختلفةٍ، هذه الخدم لم يُؤلفها شخص واحد في وقت ما، بل أصبحت ما هي عليه بالتدرُّج، فقد أضيفَت المناسبات وتفاصيل الخدم الواحدة تلو الأخرى. كتب العديدُ من الرجال والنساء القديسين الترانيم والصلوات فلاقت إعجاب المؤمنين لدرجة أنها أصبحت جزءاً من الخدم. لم تثبت الخدم الكنسية في شكلها الحالي إلا بعد مئات السنين من النمو.
هذه قصة قديس نظم بعض أشهر الترانيم في كنيستنا، وهي التي نرتلها في عيد الميلاد. وكان أسمه رومانوس المرنِّم العذب.
القديس رومانوس المرنم العذب
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] القديس رومانوس المرنم العذب
ولد رومانوس في سوريا في القرن الخامس للميلاد. لم يكن والداه من الأغنياء ولا من المعروفين، لكنهما كانا مسيحيين تقيّين ومحبِّين. نما رومانوس على محبة الله. فلما كبُرَ صار يخدم في الهيكل ومن ثم عُيِّنَ مرتلاً وقارئاً في الكنيسة. أولاً في موطنه في مدينة بيروت ثم في القسطنطينية. أراد رومانوس أن يخدم الله بأفضل ما عنده، فكان يصلي كثيراً، وكان أول من يحضر الى الكنيسة وآخر من يغادرها. يضيء القناديل بكل وقار أمام أيقونات القديسين الذين كان يحبهم كثيراً. كذلك كان يحب جوقة الكنيسة كثيراً ويفرح دائماً عندما يطلبون منه أن يرتِّل.
في تلك الأيام كانت خدمة السحر التي تقام أيام الأعياد تختلف عن خدمة السحر في أيامنا. فخلال الخدمة كانت ترتل المزامير وآيات من العهد القديم ومن ثم يتقدم أحد المرتلين الى وسط الكنيسة وينشد ترنيمة تُعرف بالـ "كونتاكيون" ، وهي تُفسِّر معنى الحدث المحتفى به في العيد. وفي أغلب الأحيان كان المرتلون يرتجلون، أي يُفكِّرون بالكلمات وهم يتلون الترنيمة دون سابق تحضير، وكان المؤمنون يرتلون آخر المقطع جواباً للترنيمة. بالطبع، كان الناس يُقدِّرون المرتلين البارعين لأنه كان عليهم أن يعرفوا الموسيقى جيداً بالاضافة الى كونهم معلمين وموهوبين ليتمكنوا من نظم ترانيم جميلة بسرعة. كان هذا منصباً شريفاً وكل من يشغله كان يتلقى أجراً مرتفعاً.
أُعجِب بطريرك القسطنطينية بالمرتل الجديد والشاب رومانوس. وإذ رأى سيرة حياته الفاضلة وتفانيه في خدمة الكنيسة، نصَّبه وفي وقت قصير قارئاً ومرتلاً بأجرة في أعظم كنيسة في القسطنطينية، آجيا صوفيا، أي الحكمة الإلهية. لكن زملاؤه المرتلون لم يَرُق لهم الأمر. فقد كانوا فخورين بأصواتهم وبقدرتهم على نظم الترانيم واستاؤوا لمجيء مرتل جديد لا خبرة له يتلقى الأجر نفسه.
اقترب عيد الميلاد وفتحت آجيا صوفيا أبوابها لاستقبال جموع المؤمنين. في ليلة الميلاد، بشكل خاص، كان يُحتفل بخدمة الغروب، لأن الامبراطور وحاشيته كانوا يحضرون الخدمة، وكان البطريرك هو الذي يخدم الصلاة. عندما حان الوقت للمرتل أن يتقدم لينشد ترنيمة الميلاد خاصته، دفع فجأةً المرتلون الغيورون برومانوس الى وسط الكاتدرائية قائلين له بسخرية: "أنت تتلقى الراتب عينه الذي نتلقاه نحن، هيا رتل ترتيلة لائقة".
شعر رومانوس بالشلل. الكل يحدقون فيه وينتظرون. جفَّ حلقه. ولم يستطع أن يجد ولا فكرة واحدة، ولا صوت خرج من شفتيه. في الصمت انتظر الناس مبتسمين ومتمتمين. أخيراً، اغرورقت عينا رومانوس بالدموع، وهرب محاولاً الاختباء وراء جوقة المرتلين.
عندما انتهت الخدمة، بقي رومانوس لوقت طويل وحيداً في ظلمة الكاتدرائية الفارغة. كان عبير البخور يملأ الجو وأضواء القناديل ما زالت تتلألأ أمام الأيقونات. انجذبت عينا رومانوس الى أيقونة والدة الإله. فأخذ يصلي: "أيتها الأم الحنون، ساعديني. لا أجد الكلمات المناسبة وشفتاي صامتتان. كيف يمكنني أن أمجد إبنك المولود جديداً؟".
عاد رومانوس الى بيته في وقت متأخر من الليل، وقد عزَّته صلاته الطويلة في الكنيسة وخلد الى سريره. أثناء رقاده، رأى رؤيا، والدة الإله تدخل الى غرفته. كانت تحمل في يدها دَرجَاً صغيراً من الورق، وقالت له بلطف وهي تقترب منه: "افتح فمك". فتح رومانوس فمه فوضعت الدَرجَ فيه وأمرته أن يبتلعه. أطاع رومانوس واستفاق على الإثر. كانت غرفته فارغة، لكن قلبه كان ينبض بفرح عظيم وحماسة، أما عقله فكانت تزدحم فيه كلمات جميلة ومقدَّسة.
هذا كان في صباح عيد الميلاد، فأسرع رومانوس الى كنيسة الحكمة الإلهية ليحضر السحر.
القديس رومانوس المرنم العذب
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]القديس رومانوس المرنم العذب
وفي الوقت الذي يجب أن يتقدم فيه أحد المرتلين ويرتجل ترنيمة، تقدم رومانوس الى الأمام دون تردد. لم يكن خائفاً اليوم، ولم يتردد في التفكير، فمن شفتيه انفجرت ترنيمة جميلة، وكلمات لم يُسمَع بها من قبل، ترتَّبت بالشكل التالي:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]القديس رومانوس المرنم العذب
اليوم العذراء تلد الفائق الجوهر،
والأرض تُقرِّب المغارة لمن هو غير مُقتَرَبٍ إليه،
الملائكة مع الرعاة يمجِّدون،
والمجوس مع الكوكب في الطريق يَسيرون،
لأنه وُلِدَ من أجلنا صَبيٌّ جديدٌ، الإله الذي قبل الدهور.
لم يكن أحد قد سمِعَ هذه الترنيمة من قبل، ولكنها كانت جميلة لدرجة أن الجوقة والمؤمنين بأجمعهم ردَّدوا الجملة الأخيرة.
"لأنه وُلِد من أجلنا صبيٌّ جديدٌ، الإله الذي قبل الدهور".
وما إن انتهت الخدمة حتى أسرعَ البطريرك نحو رومانوس وسأله مَن عَلَّمه هذه الترنيمة الجميلة. فسرد له رومانوس بكل تواضع، الرؤية العجائبية التي عاينها والهدية التي تلقاها.
استعمل القديس رومانوس هذه الهبة بشكر بقية حياته. ولقد أنمى هذه الموهبة المعطاة له من فوق ونظم عدداً من الترانيم الجميلة، واليوم عندما تحضر الخدم الكنسية في معظم الأعياد الكبرى، يمكنك أن تكون متأكداً أن بعض الصلوات التي تسمعها كتبها القديس رومانوس.
أيقونتان للقديس رومانوس المرنم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أيقونة للقديس رومانوس حاملاً كنيسة أيا صوفيا بيد وطرس عليه احدى مؤلفاتهالموسيقية بيد أخرى
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أيقونة القديس رومانوس في وسط الكنيسة يرتل والى يساره القديس أندراوس المتباله الذي يشير الى وجود والدة الإله في الكنيسة تظلل المؤمنين بوشاحها